أبو مهدي المهندس بعيون "إسرائيل".. الرجل الخطير
حسن لافي
نَبَعَ اهتمام "إسرائيل" بشخصية أبو مهدي المهندس من إدراكها الدور المركزي الذي قام به في عدة قضايا ساهمت في إحداث تغيرات عميقة داخل المشهد العراقي.
رغم تركيز الإعلام الإسرائيلي الكبير على اغتيال الفريق قاسم سليماني، حظي اغتيال أبو مهدي المهندس باهتمام ملحوظ في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي وصفته بأنه "ذو أهمية كبرى"، إدراكاً لدوره المؤثر في الساحة العراقية ذات التداعيات الاستراتيجية على مستقبل المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة.
تعتبر التقديرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في السنوات الأربع الأخيرة أن الجبهة العراقية تعدّ من إحدى مناطق التهديد الموجه ضد "إسرائيل"، بعد أن تمت إزالتها سابقاً من خارطة التهديدات الموجهة ضدها بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، إذ تعتبر "إسرائيل" أنَّ ازدياد نفوذ الفصائل العراقية المنضوية تحت لواء محور المقاومة بقيادة إيران داخل العراق هو تهديد استراتيجي لأمنها القومي، الأمر الذي يجعل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تنظر إلى العراق كجبهة تهديد في حال اندلاع مواجهة مفتوحة مع محور المقاومة على الجبهة الشمالية، وتتقيّن أنه سيكون جزءاً من تلك المعركة، وخصوصاً منطقة غرب العراق، كما تحدثت بذلك دراسة قدمها معهد الأمن القومي الإسرائيلي تحت مسمى "الحرب القادمة في الشمال".
نَبَعَ اهتمام "إسرائيل" بشخصية أبو مهدي المهندس من إدراكها الدور المركزي الذي قام به في عدة قضايا ساهمت في إحداث تغيرات عميقة داخل المشهد العراقي، أسهمت بدورها في تحقيق عملية التحول في تموضع العراق ضمن خارطة التهديدات الأمنية والعسكرية ضد "إسرائيل". ومن أهم تلك القضايا:
أولاً: محاربة التواجد الأميركي في العراق
يعتبر أبو مهدي المهندس أحد مؤسسي تنظيم كتائب حزب الله في العراق، والذي يقوم بعمليات عسكرية بشكل مستمر ضد التواجد الأميركي فيه، ويسعى لإخراج القوات الأميركية منه، الأمر الذي يعتبر خطراً استراتيجياً على أمن "إسرائيل" في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، إذ يفتح الانسحاب الأميركي من العراق الباب واسعاً أمام محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران في إتمام حالة تحول العراق إلى جبهة قتال ضد "إسرائيل"، الأمر الَّذي يعيد خطر الجبهة الشرقية الوجودي عليها مجدداً. ومن جهة أخرى، يبقي الانسحاب الأميركي "إسرائيل" وحدها في مواجهة هذا التهديد، وخصوصاً أن الأميركي بات أكثر قناعة بالانسحاب من ذي قبل.
ثانياً: هزيمة داعش وانحسار دولته
يعتبر أبو مهدي المهندس من الشخصيات المفتاحية في إنجاح فكرة الحشد الشعبي التي أدت دوراً أساسياً في دحر داعش وإنهاء دولته، الأمر الذي راهنت "إسرائيل" على أن يحقق استراتيجية الإشغال الذاتي لمحور المقاومة واستنزافه في معارك بعيدة عنها، لكن سرعة نجاح الحشد الشعبي المدعوم من محور المقاومة في تحقيق النصر على داعش خلطت الأوراق الإسرائيلية رأساً على عقب، إذ باتت فصائل المقاومة العراقية أكثر قوة وخبرة عسكرية ومساحات نفوذ، ولكن الأهم أنها باتت تحظى بشرعية رسمية داخلية ودولية، وأنها حصلت على التفاف جماهيري عراقي واسع من كل أطياف الشعب العراقي، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تحصين الجبهة العراقية من مؤامرات التطبيع والتعاون المشترك مع "دولة" الاحتلال "إسرائيل".
ثالثاً: زيادة نفوذ محور المقاومة في منطقة غرب العراق
هزيمة داعش من قبل الحشد الشعبي وانحسار "دولته" أدى إلى سيطرة فصائل المقاومة العراقية، وخصوصاً كتائب حزب الله، على مساحات واسعة غرب العراق، ولا سيما المعابر بين سوريا والعراق، الأمر الذي أثار قضيتين مركزيتين تعتبرهما "إسرائيل" خطيرتين على أمنها القومي.
القضية الأولى تعزز سيطرة فصائل المقاومة العراقية على منطقة غرب العراق حيث يمر مشروع الطريق البري الَّذي يمكّن إيران والعراق من الوصول إلى الموانئ السورية؛ ذلك المشروع الذي توقف العمل به إثر اندلاع الأزمة السورية، ولكن مع هزيمة داعش وسيطرة فصائل المقاومة العراقية على معبر "القائم" في الجهة العراقية، و"البوكمال" في الجهة السورية، أخذ مشروع الطريق البري دفعة قوية من جديد، مع ما يحمله من تأثيرات مهمة في تقديم الدعم اللوجستي لحزب الله في لبنان ولمحور المقاومة في سوريا.
القضية الثانية هي نشر منظومات صواريخ بالستية في غرب العراق، الأمر الذي يعيد تهديدات الدائرة الثالثة على أمن "إسرائيل"، وخصوصاً مع إمكانية التواصل بين غرب العراق وشرق سوريا، الأمر الذي يخلق مساحات واسعة يصعب على سلاح الطيران الإسرائيلي تغطيتها في حال اندلاع مواجهة مفتوحة.
تعتبر "إسرائيل" أن انضمام العراق إلى محور المقاومة سيحمل في طياته تأثيرات خطيرة، من وجهة نظرها، في قضايا الأمن القومي الإسرائيلي الأخرى في المنطقة، مثل استقرار المملكة الأردنية، والأهم تأثيرات العراق في أمن دول التطبيع الخليجي؛ حلفاء "إسرائيل" في المحور الصهيو-أميركي عربي.
بات من الواضح بعد مرور عام على عملية اغتيال الشهيد الفريق قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس، أنها أتت في إطار سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب - وبتحريض إسرائيلي - إلى إعادة رسم خارطة المنطقة العربية ضمن سياسة المحاور الأميركية، وخصوصاً داخل العراق، والتي تهدف أميركا إلى إبقائه ضمن المحور الصهيو-أميركي، لما يملكه العراق من أهمية استراتيجية كبيرة على كل المستويات.
وبناء عليه، ركَّز محور المقاومة في رده الانتقامي على عملية اغتيال القادة على استكمال مشروع أبو مهدي المهندس الاستراتيجي الهادف إلى إخراج الأميركي من العراق وتكريس تموضع البلاد ضمن محور المقاومة.
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2021/01/01