آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قيس السعيدي
عن الكاتب :
كاتب عربي من اليمن

بين الاستراتيجية والتكتيك: دعوات الحوار بين إيران و السعودية

 

قيس السعيدي

السعي نحو الحرب يترافق معه عادة مسار موازي للحيلولة دون اندلاعها. ففيما تختار الدول المتعادية سياسة حافة الهاوية لجني أوراق قوية وضاغطة من أجل استخدامها على طاولة المفاوضات، تحاول الدول المتضررة من اندلاع الحرب، أن تلعب دور الوسيط لحلحلة الأزمة وجلب المتخاصمين إلى طاولة التفاوض. بعد التوترات المتموجة صعودا وهبوطا بين ايران من جهة والولايات المتحدة وادواتها من جهة أخرى، نسمع عن مساعي لحوار يضم إيران من جهة وممالك الخليج من جهة أخرى بعد أن توضحت الصورة عن هوية ساكن البيت الابيض الذي يرغب بالعودة للاتفاق النووي مع إيران والذي يرى أن انسحاب ترامب منه أفاد إيران ولم تحصد أمريكا من انسحابها إلا الفشل. كما إن بايدن لا يحمل الود او الإعجاب بمحمد بن سلمان الذي حضي بهما من ترامب وصهره كوشنر.
تذكرنا هذه التحركات بالوساطة الباكستانية بدعوة امريكية وسعودية لاختراق هذا التوتر المزمن. ولا بأس بإسترجاع بعض المواقف والأحداث التي حدثت في عهد إدارة ترامب لنقيس عليها طريقة تعامل كلاً من السعودية وإيران لنبني توقعنا لما ستؤول إليه دعوات الحوار الجديدة.
وقعت إيران على الاتفاق النووي مع السداسية الدولية والذي يتضمن  تحجيم ومراقبة انشطة إيران النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. كان ذلك في عهد الرئيس الأمريكي باراك اوباما، الذي دعى في الأيام الاخيرة في ولايته، دول المنطقة إلى تبني سياسة التعاون والإلتفات إلى التحديات الداخلية.
لم يرق للسعودية والكيان الصهيوني هذا الاتفاق. فلم يهدأ لهم بال حتى دفعوا بالرئيس الأمريكي ترامب للخروج من هذا الاتفاق  وإعادة فرض العقوبات عليها بل وتشديدها ومنعها  من تصدير نفطها، الذي يرتكز الاقتصاد الإيراني عليه بشكل كبير.
تزايدت الاستفزازات الأمريكية للجانب الإيراني وبات الوضع قابل للاشتعال في أي لحظة، خصوصا بعد عمليات تفجير ناقلات النفط في بحر عمان. وكانت عملية إسقاط فخر الصناعة الأمريكية الطائرة الامريكية غير المأهولة في المياه الإقليمية الإيرانية بصاروخ إيراني، بمثابة عود الثقاب الذي سيشعل المنطقة. لكن للمفارقة كانت هذه العملية بمثابة طفاية حريق اخمدت جذوتها.  لتؤكد أن المنطقة تشهد تحولا استراتيجياً له ما بعده ولن يكون كما قبله. واستثماراً وتعزيزاً لهذا التحول، جاء احتجاز ناقلة النفط البريطانية في مضيق هرمز رداً بالمثل لاحتجاز ناقلة النفط الايرانية في مضيق جبل طارق.
ونتيجة لهذا التحول الإستراتيجي يطلق الجيش اليمني طائراته المسيرة لتضرب عصب الاقتصاد السعودي بإستهداف منشأتي ارامكو في بقيق وخريص. هذه العملية التي لم يتجراء النظام العراقي القيام بمثلها وهو كان قادرا على ذلك إبان الحرب عليه في مطلع تسعينيات القرن الماضي. كان هذا التحول واضحاً وبيناً لدرجة أن الربان الهندي اخليش كومار  قبطان ناقلة النفط الايرانية ادريان داريا 1، لم يستجب للضغوطات ولا الاغراءات الأمريكية لتحويل مسار السفينة وعدم التوجه إلى سوريا لإفراغ حمولتها من النفط.
في الماضي القريب تتالت الدعوات الايرانية ومن كل مفاصل السلطة، للحوار مع دول المنطقة لحفظ أمنها واستغلال ثرواتها بما يخدم شعوبها و يأمن مستقبلها ويزيد من استقلالها. لكن كانت تقابل هذه الدعوات بالرفض ظناً منهم أن إيران تناور بهذه الدعوات لانها تتألم تحت وطأت العقوبات الاقتصادية. وراهنوا على عامل الوقت وتحرك الشارع الإيراني لقلب نظام الحكم، بالإضافة الى ركونهم إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ستحارب إيران نيابة عنهم.
لم يدرك السعوديون والدائرون في الفلك الأمريكي أن هناك تحولات إستراتيجية تتشكل، وقوى أخرى بدأت تنهض واحادية القطبية آخذة بالتلاشي والدولار في دائرة الاستهداف والنفط يفقد بريقه.
فالمفاوضات مع حركة طالبان الأفغانية لخروج آمن للقوات الأمريكية من أفغانستان وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. وفشلها في إدارة الملف العراقي وخسارة الحرب على سوريا، كل تلك دلائل على أن والولايات المتحدة لن تتردد في حمل عصاها وترحل من المنطقة، خصوصا في ظل إدارة رئيس أمريكي يدير الأمور بعقلية التاجر وتحت وعود انتخابية عنوانها أمريكا أولاً. وتراجع أهمية النفط بالنسبة للولايات المتحدة لانها اصبحت تنتج اكثر من 11.5 مليون برميل يوميا.
فلم ترد الولايات المتحدة الأمريكية على اسقاط الطائرة المسيرة ولم تتحرك لتأمين خط إمداد الطاقة في مضيق هرمز بعد تفجير الناقلات ووقفت موقف المتفرج بعد استهداف منشأتي ارامكوا وخفض انتاج المملكة السعودية إلى النصف. كل تلك الأحداث كانت صفعات تنبيه لمن يراهنون على الدور والقوة الأميركية. وبدأوا يبحثون عن وساطات ويبدون رغبتهم بإطلاق حوار مع الجانب الايراني.

فيما تبدوا الدعوات الإيرانية للحوار تعبيرا عن موقف استراتيجي ثابت يعززه القوة التي تتمتع بها ايران عسكريا وعلميا بالإضافة الى التحالفات التي نسجتها مع القوى العالمية الصاعدة مثل روسيا والصين.
لكن في المقابل تأتي الدعوات السعودية للحوار وطلب الحوار ليس إلا تكتيك مرحلي لشراء الوقت انتظاراً لما ستنتجه الإنتخابات الأمريكية في نهاية 2020م. خصوصا أن سياسة محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي في المملكة، تسببت بإنقسامات ظاهرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الدعوات تأتي بعد فشل السعودية في اليمن وعدم القدرة على السير قدما في رؤية 2030 وتعثر والسياسات السعودية في المنطقة.
جاءت جائحة كورونا لتقلب الطاولة على ترامب وتتسبب من ضمن عوامل أخرى توقعات خسارته الانتخابات فيسارع الى التصعيد ضد ايران بقتل قائد فيلق القدس الشهيد الفريق قاسم سليماني مطلع العام المنصرم والعالم النووي محسن فخري زادة في نهاية نفس العام لارباك المشهد وخلط الأوراق وجر المنطقة لحرب لا يعلم احد نهايتها. سارع حكام دويلات الخليج للتطبيع مع الكيان الصهيوني وإشهار علاقتهم به وبهذا يشكلون دعماً لترامب رغبة منهم بمواصلة سياساته العدائية ضد إيران وإن لم يفز بفعل الجائحة كما أسلفنا فتطبيعهم مع الكيان يوفر لهم حماية الكيان الصهيوني.
ذهب ترامب وذهبت معه آمال وتمنيات حكام الخليج ولم يجدوا غير ايران على الضفة الأخرى من الخليج قد رفعت مستوى التخصيب في مفاعلاتها النووية الى 20% وزادت قوة حلفائها العسكرية. وطالب العراق بخروج القوات الأمريكية من أراضيه فيما تحاول الولايات المتحدة تضميد جراحها بفعل كورونا وترميم ديمقراطيتها بعد غزوة الكابيتول ورتق نسيجها بعد مقتل جورج فلويد بطريقة عنصرية وتحسين صورتها العالمية التي شوهها ترامب. ورئيس امريكي يريد العودة للاتفاق النووي ومعاقبة محمد بن سلمان بسبب مقتل خاشقجي و انتهاكات حقوق الإنسان.
وختاما عندما يمتلك حكام  المنطقة زمام أمرهم ويلتفتون نحو مصالح شعوبهم ويحترمون تاريخها ويستثمرون امكاناتها عندها يمكن أن نعول على دعوات الحوار ومخرجاته.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2021/01/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد