في الذكرى العاشرة لثورة الشباب.. كيف أجهضت المبادرة الخليجية الأمريكية التغيير في اليمن.. وهل يتمكن بايدن من إجهاض ثورة أنصار الله عبر الحل السياسي؟
طالب الحسني
قبل أن يسقط الربيع العربي الذي نعيش الذكرى العاشرة له عدد من الانظمة العربية العتيقة ، كانت قضية توريث الرئيس اليمني الأسبق علي صالح السلطة لنجله ” العسكري ” الصاعد العميد أحمد ، هي القضية المحلية الشائكة خاصة وأن ذلك لم يكن سوى مسألة وقت ، حتى مع وجود معارضة واسعة في الشارع السياسي ، وصحيح أن صالح واجه آخر انتخابات رئاسية له بصعوبة ، لكنه كان قد أمن التوريث باسناد القوات العسكرية للمقربين منه ومن عائلته بالتحديد من بينهم أبناء أشقائه ، علاوة على اولاده ، بيد أن الأهم هو التربيط الذي كان قد صنعه صالح مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية أبرز الحلفاء الإقليميين والدوليين وإقناعهم أن التوريث سيضمن بقاء مصالحهم في اليمن دون مساس .
الربيع العربي المفاجئ وصل لليمن في فبراير 2011 ، لم يتأخر كثيرا عن مصر وتونس وليبيا ولم يكن سيتغير الأمر عن تلك الدول ، كما لا يختلف صالح عن مبارك وبن علي والقذافي ، مع فارق المتغيرات الاقليمية والدولية في نظرتها للمعارضات ومصير الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي .
من الواضح أن مناورة صالح التي استمرت على مدى شهر مع توسع الاحتجاجات في المدن والمحافظات اليمنية ، أعادت بعض الأمل للرياض وواشنطن بالقدرة على تغيير آمن ، بالتمنع عن إعطاء مواقف متشددة تجاه النظام في اليمن إلى حين تم بلورة استراتيجية للتعامل مع الثورة ، فاحتضنت الرياض صالح سياسية وبقيت واشنطن حذرة من التعامل بقسوة معه مع إبقاء مغازلاتها للمعتصمين في أكثر من 15 ساحة للاحتجاجات .
عبث الاخوان المسلمين عبر حزب الاصلاح وسيطرتهم الواضحة لثورة الشباب أعطى جرعة أخرى لتقويض مطالب الثورة بعد أن فتحوا الباب واسعا للمنشقين العسكريين المقربين منهم أو اولئك الذين اهتزت ثقتهم بصمود النظام من بينهم الجنرال المقرب من الإصلاح على محسن الأحمر ، وهو العسكري الفاسد الذي كان جزءا أساسيا في نظام صالح ، بالاضافة إلى أنه شريكا في حروبه جميعها بدءا بحرب صيف 1994 واجتياح الجنوب أو حروب صعدة الست 2004-2009 .
لقد كنا بحول يوليو 2011 أمام واقعية جديدة قسمت الثورة إلى قسمين ، شباب الثورة المستقلين أو الذين رأوا أن التغيير يجب أن يشمل كل الماضي بما في ذلك قادة المعارضة ومعهم ضمن هذا القسم الثوري الجديد شباب الصمود الذين كانوا يمثلون حركة أنصار الله وأنصار القضية الجنوبية وجزء كبير منهم من يطالبون بفك الارتباط عن الشمال ، أما القسم الثاني فكان يتمثل في المعارضة وفي طليعتها الاخوان ونصف النظام المنشق عن صالح ، هذا القسم أصبح هو المسيطر في الساحات وهو الذي يتبنى مواجهات عسكرية في محيط العاصمة صنعاء وبعض الاحياء وداخلها تزعم هذه المواجهات بعض مشائخ آل الاحمر المنتمين للاصلاح ، لقد طغى على المشهد السلمي عسكرة الثورة وهذا التغيير منح صالح اكسجين للبقاء طويلا حتى بلورت الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاوروبية والخليجية ما سمي بعدها بالمبادرة الخليجية ، تنص هذه المبادرة صراحة الإجهاض على الثورة ، عبر تقسيم السلطة بين النظام من جهة والمعارضة والمنشقين عن صالح من جهة مقابلة ، والاتفاق على أبعاد البقية عن المشهد السياسي المستقبلي عبر ثلاث خطوات :
الخطوة الأولى ترشيح نائب صالح ، عبدربه منصور هادي وتعيين الجنرال علي محسن نائبا له وتشكيل حكومة مناصفة بين حزب الاصلاح وحلفائه ، والمؤتمر الشعبي العام وحلفائه وتوزير بعض الأحزاب الصغيرة
الخطوة الثانية احتواء شباب الثورة المستقلين ، أو الكثير منهم وضمهم للحوار الوطني بهدف إخلاء ساحات الاعتصام ورفعها
الخطوة الثالثة : افتعال حروب في صعدة وحجة وعمران عبر استخدام عناصر الاصلاح وبعض السلفيين والقاعدة ضد أنصار الله الحوثيين الذين لا يزالون متمسكون بالتغيير الشامل ورفض المبادرة الخليجية تمهيدا لإعادة تسميتهم ” كجماعة متمردة ” وسحقهم عسكريا ، وهذا كان توجيها سعوديا وأمريكيا ، قبل أن تتحول هذه الخطة سريعا إلى القشة التي قصمت ظهير البعير ، حين تداعت القبائل وحشد أنصار الله لثورة جديدة أطاحت بالجميع في 21 سبتمبر 2014 ـ أسقطت هذه الثورة الجديدة المبادرة الخليجية وأعادت رسم المشهد بصورة مغايرة تماما .
لقد اعتقدت السعودية ومعها الدول العشر التي سميت بالدول الراعية للمبادرة الخليجية أنها كونت نظاما جديدا مزدوجا بديلا للنظام السابق وأن هذا النظام سيعبر الفترة الانتقالية ليتكون نظاما لا يختلف تماما عن الماضي ولا يتقاطع معه لجهة ضمان البقاء في الدائرة نفسها الخليجية الامريكية والحفاظ على مصالحها ، حين سعى هذا النظام المزدوج على أن يقوم على ركنين أساسيين :
الأول : إ رضاء الحليف الأمريكي والأوروبي والخليجي ، السعودي تحديدا وبالتالي إرضاء الغرب
الثاني : إقناع الداخل بأن التغيير قد حصل وأن اليمن الجديد يجب أن يشهد صياغة شكل آخر للدولة ، يقوم هذا الشكل على تقسيمها إلى أقاليم
بينما كان جوهر الثورة الجديدة التي قادها أنصار الله الحوثيين يقوم على النقيض ، إبعاد الغرب وإسقاط سيطرته التامة على الدولة وإسقاط الوصاية السعودية الطويلة ، ومن ثم بناء تحالفات داخلية جديدة تقوم على الإبقاء على الدولة موحدة ومعالجة القضية الجنوبية بما يضمن حصول العدالة الانتقالية .
هذه الانتقالة السريعة والتي رأى فيها الغرب ودول الخليج بأنها ضد مصالحهم وعلى النقيض تماما منها مع صعوبة احتواء المشهد مرة اخرى مثلما فعلوا في 2011 عبر المبادرة الخليجية ، دفعهم للتفكير بما أسماها وزير الخارجية السعودي الأسبق سعود الفيصل بالعملية الجراحية والتي كان يقصد بها الحرب العسكرية الخاطفة والتي قد لا تستغرق أسابيع ، في حين أن هذا التقدير الخاطئ قاد إلى حرب عدوانية بربرية لسنوات ولا تزال مستمرة .
الآن ومع دعوات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن لوقف العمليات العسكرية والوصول إلى حل سياسي شامل ، فهل ينجح في إجهاض الثورة الثانية ؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/02/14