لبنان إلى أين؟
د. وفيق إبراهيم
يحاول رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تجميع ثلاث قوى مذهبية بزعامته للسيطرة على لبنان. ساعياً الى تأمين تغطية خليجية وفرنسية لها، فيجمع بذلك بين الدين والدنيا.
هذه القوى هي تنظيمه المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي الجنبلاطي، لكنه لن يرفض انتساب قوى جديدة اضافية لحركته على منوال سامي الجميل الكتائبي أو آل شمعون وربما يتعثر بشيعة طامحين، لكنهم لا يحوزون إلا على اهمية الانتماء الديني.
يعتقد الشيخ سعد أن مشروعه هذا كفيل بالإمساك بالبلاد على أساس تغطيتين خليجية واميركية تُقصي حزب الله عن نفوذه اللبناني الكبير او تقلصه على الأقل.
لربما احتاج السعد هنا الى جهود اميركية كبيرة لأن نفوذ حزب الله ثلاثي الأبعاد فهو لبناني وإقليمي عربي وإقليمي عام. وهذا يحتاج الى منازلة واسعة يتجنّبها الأميركيون حالياً لأنها تفتح على حرب مع إيران يتحاشاها الأميركيون حالياً ولاحقاً.
هناك اذاً مشروع الشيخ سعد وآخر لحزب الله. وهذا يسمح للرئاسة اللبنانية بالبحث عن مشروع يستظلّ رئاستها ذاهباً نحو استيلاد مشروع للمسيحيين يبدو أن حزب الله بحاجة إليه، لكنه يعاني من محاولات سمير جعجع الذي يريد الإمساك بالشارع المسيحي بالإضافة الى سامي الجميل الباحث عن أكبر طاقاته ما يجعله يبدو خارجاً عن المألوف.
هذه هي المشاريع المتصارعة في الساحة اللبنانية والمرتبطة خارجياً بثلاث قوى فرنسية إيرانية وأميركية باعتبار ان السعودية لم تتحضر بعد للعودة الى بيروت وتترقب تنسيقاً مع الأميركيين، يتعلّق بكيفية التعامل مع حزب الله او بالأحرى العصب الأساسي للمشاريع السياسية الأخرى.
الأميركيون هنا أمام خيارين حربي وسلمي: فالحرب على حزب الله في لبنان قد تؤدي في أضعف الحالات الى انسحاب الأميركيين عن لبنان مباشرة أو عبر حلفائهم، أما السلمي فشديد الكلفة لأنه يتطلب المرور من البوابة الإيرانية، هذا بالإضافة الى أن حزب الله يعتبر الأميركيين قوة احتلال دولية – إقليمية من الصعب مفاوضتها.
في ضوء هذه المعطيات الخارجية كيف يبدو مستقبل المشاريع الداخلية اللبنانية؟
أولاً هناك انكماشات طوائفية وازنة تجعل من الصعب انبثاق انفتاحات بين الطوائف على اساس وطني.
وهذا يدفع الى الاحتماء بأسوار السفارات، وإلا فما هي أسباب عودة الوزير جنبلاط من عزلته الدرزية الى الساحة اللبنانية مؤازراً سعد الحريري بشكل جادّ؟
فزعيم الحزب الاشتراكي استكمل تنظيم الدروز جغرافياً وسياسياً وعصبياً وتسليحياً وجلس ينتظر الفرصة التي حسم أمرها أنها مع الغرب، وما أن وصلته اول اشارة حتى اندفع لتأييد الحريري ضد المشروع الماروني للتيار الوطني الحر من دون سؤال، فهو يعرف موقعه وحصته، ما دفع بفريق وهاب – أرسلان للإصرار على حصص وازنة للدروز لربما بدفع خفي من عون أو حزب الله وذلك للزوم المعركة المندلعة.
بالمقابل ترى حركة أمل أن ضرب مشروع عون هو أولوية في الوقت الراهن لأنه الأكثر قابلية للتنفيذ، لكنها تعلم أن هذا الموقف قد يتسبّب بالإساءة لحليفها الاستراتيجي حزب الله فتتريث للمزيد من قراءة المستجدات.
هذه هي مشاريع عون والحريري.. فأين هي المشاريع الأخرى؟
ليست هناك مشاريع متكاملة بل محاولات لتحسين المواقع السياسية من خلال مشاريع الآخرين وذلك بطلب أميركي. وهذا ينطبق على أحزاب القوات والكتائب والأحرار وبعض الزعامات السنيّة والشيعيّة.
فهل هناك مشاريع أخرى؟ خصوصاً من جهة حزب الله الأقوى على الساحة اللبنانية والمرتبط بعلاقات إقليمية مع سورية وإيران؟
لا شك في أن حزب الله جزء من مشروع إقليمي لا يعتبر أن السيطرة على لبنان اولوية بالنسبة إليه، إلا بقدر إمكانيته على الصراع مع «اسرائيل» والنفوذ الأميركي والمحاولات الفرنسية المتواصلة للسيطرة على لبنان.
لذلك يعمل الحزب على التمدد وتكبير تحالفاته لمجابهة الأميركيين والفرنسيين فقط وليس القوى اللبنانية المحلية التي لا يرى فيها خطورة فعلية على دوره، قد يناوشها ويساكنها، لكنه لا يذهب بعيداً في استعدائها وهو العالم أنها بعيدة عن القدرة على منازلته حتى على المستوى السياسي، فالحزب نجح في بناء تيار شعبي وازن متعدّد الطوائف والمناطق مع تحالف قوي مع الرئيس عون.
مَن يجابه الحزب اذاً؟
يتصدّى الحزب في حركته اللبنانية للمشروعين الاميركي والفرنسي متحضراً لمجابهة المشروع الخليجي من جهته، والدور العسكري الإسرائيلي من جهته الثانية. لجهة الاميركيين فيبدو أنهم يعرفون عجزهم عن اكتساح حزب الله ما يدفعهم لمحاولات بناء منظومة تحالفات معادية لحزب الله تتشكل من الحريري – جنبلاط – جعجع – الجميل والمتضررين من أبناء الطوائف. وهذه منظومة غير متتالية إلا في السياسة والتحريض الطائفي لكن لها قوة تأثير شعبية وازنة، ما يعني أن الساحة اللبنانية قد تزداد موجات التصعيد فيها بالإضافة الى تراجع الاستقرار السياسي.
لجهة المبادرة الفرنسية فهي متواصلة وتحاول الجمع بين القوتين الاميركية والخليجية على أساس الإمساك بسياسة لبنان بكاملها. ويواصل الفرنسيون محاولاتهم من دون كلل على أمل أن يوصلهم دورهم اللبناني الى أدوار شرق أوسطية.
إن توازن القوى بين هذه المجموعات الخارجية والداخلية تدفع الى الاعتقاد ان العلاقات بين القوى السياسية في لبنان لن تتغير كثيراً لأن وجود العامل الاسرائيلي وانتهاكاته للحدود والمناطق يعطي لحزب الله الفرصة الكبيرة لانتزاع أدوار وطنية تضاف الى أدواره السياسية ما يجعله من القوى الأبرز على الساحة اللبنانية.
إن المناوشات التي تجري اليوم على الساحة اللبنانية هي التمهيد لما تريد القوى التي تحاول السيطرة على لبنان فعله، لكن العامل الأساسي الذي يحول دون هذا الأمر هو حزب الله وتحالفاته القوية مع اثنين من أقوى القوى اللبنانية وهم الرئيسان ميشال عون ونبيه بري.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2021/02/17