كيف يمكن فهم سياسات أوباما؟!
حسن المصطفى ..
يزور الرئيس الأميركي باراك أوباما، العاصمة الرياض، فيما منطقة الشرق الأوسط لا تزال تحت وقع العديد من المشكلات المزمنة، سواء في سوري أو العراق، وعلى مشارف مفاوضات بين الفرقاء اليمنيين في الكويت، فضلا عن التوتر بين إيران من جهة، والدول الخليجية والعربية من جهة أخرى، هذا فضلا عن ملف "الإرهاب" والمجموعات الأصولية التي باتت تستغل حال الاضطراب وضعف الحكومات المركزية، من أجل تعزيز نفوذها والقيام بعمليات تخريبية في أكثر من بلد عربي وأوربي.
هذه الملفات بتنوعها، تشكل موضوعات بحث بين زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، والرئيس الأميركي أوباما. وهي في عدد منها محل خلاف، مصدره تباين وجهات النظر، والزوايا المختلفة التي يقارب منها كل فريق المشهد، وخصوصا في موضوع الملف النووي الإيراني، ودور إيران في المنطقة.
الرئيس باراك أوباما، والذي عقد صفقة نووية مع النظام الإيراني، يعتقد أنه وفق هذه السياسة يستطيع أن يحتوي طهران، وأن يدفعها شيئا فشيئا نحو الاعتدال، والعودة إلى المجتمع الدولي، وأن تكون عامل استقرار وسلام في المنطقة، وأن تساهم في الحرب على الإرهاب، وفق رؤية تنبني على سياسة الاحتواء وتجنب الصدام والحروب. وهو في ذلك اعتمد على سلاح العقوبات الاقتصادية والسياسية.
وهي العقوبات التي برأيه أضرت بالنظام الإيراني، وجعلته يعاني اقتصاديا وتقنيا، ودفعته تاليا إلى توقيع الاتفاق النووي، وهو اتفاق تراهن واشنطن على أنه يعزز من المعسكر الإصلاحي الداخلي في إيران، وينعكس إيجابيا على القطاعات الشعبية وتحديدا فئتي الشباب والنساء، أولئك المؤيدين لقيم التسامح والليبرالية، والراغبين في العيش وفق نمط حياة عصري وحديث، بعيدا عن أفكار رجال الدين والأيديولوجيات الثورية.
الحكومة الأميركية قامت برفع الحظر والعقوبات عن الحكومة الإيرانية في الشق المتعلق بالملف النووي. إلا أنها لا تزال تفرض عقوبات في ملفات أخرى سواء تلك التي تتعلق بالصواريخ البالستية، أو ما تعتبره واشنطن دعما إيرانيا للمنظمات والأنشطة الإرهابية في الشرق الأوسط.
بالتأكيد فإن واشنطن لا تنظر إلى طهران بوصفها شرا مطلقا أو خيرا مطلقا. وإنما تبني علاقتها معها وفق المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. وهي في هذا الصدد تعتقد أن هنالك منطقة مشتركة يمكن أن تكون منطلقا لحل المشكلات الأخرى العالقة.
إن السياسة التي ينتهجها الرئيس الأميركي تجاه إيران تقوم على التفكير بعقل براغماتي بارد، يسعى لتجريب كل الخيارات المتاحة، باستثناء القوة العسكرية، والتي يجعلها آخر الخيارات، والتي لا يفضل أن يقوم بها هو، وإن اضطر. وهو وفق ذلك يسعى لتحقيق مصالح الولايات المتحدة، وحفظ أمنها القومي، وليس مدافعا عن الإيرانيين أو عاشقا متيما مأخوذا بهم، كما يعتقد البعض.
هذه الرؤية ساهم في تكوينها نفر من المستشارين، والكتاب، واللوبي الإيراني النشط في أوروبا والولايات المتحدة، ونوعية الخطاب الذي تم تسويقه في الأكاديميات والمعاهد وغرف النقاش المغلقة، والذي كانت نتيجته السياسة الحالية للرئيس أوباما.
إن أوباما ليس بالرئيس المتردد أو العاجز أو الجاهل، كما يتصور البعض. وهو شخص له رؤيته، التي نتفق معه حولها أو نختلف. إلا أن المهم هو أن نفهم هذه الرؤية لنحسن التعامل معها، ولنعرف كيف نتصرف حيالها، وكيف نحافظ على مصالحنا وعلى أمننا القومي في المملكة.
تباين وجهات النظر، بين السعودية وأميركا تجاه إيران وملفات الشرق الأوسط لا يجب أن ينظر إليه بنوع من السخط أو الغضب، ويجب ألا نتعاطى معه وفق منطق ردود الأفعال، أو بعقل انفعالي، وإنما يجب أن يكون ذلك محفز على وضع سياسات حكيمة، مؤثرة، فاعلة ومستديمة، تأخذ بعين الاعتبار بناء شبكة أمان إقليمية، تخلق تفاهمات جديدة، وتعزز منظومة الاقتصاد والتنمية لعقود قادمة.
والسعودية بما تمتلك من تجربة وقدرات ذاتية، قادرة على أن تلعب هذا الدور المهم والبناء في المنطقة.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/04/22