التشظّي الخليجيّ علامة التراجع السعوديّ
ناصر قنديل
– خلال خمسة عقود هي عمر استقلال دول الخليج، لم يكن لأية دولة من دول الخليج سياسة إقليمية أو دولية مختلفة عن السعودية. فالسعودية هي الدولة الأكبر في المساحة والسكان والثروات، وهي الأسبق بالنشوء والحضور، وهي تستضيف الأماكن المقدسة، وتتربّع على عرش القيادة في العالمين العربي والإسلامي منذ تراجع مكانة مصر وأفول مشروع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن المشهد العربي والدولي. وخلال العقود الأربعة الماضية كانت إيران بعد انتصار ثورتها وإطاحة نظام الشاه، هي القضية التي دخلت على خط رسم إيقاع السياسات الخليجيّة، على خلفية ثنائية ترسم بين الرياض وواشنطن، وتتحوّل الى سياسات خليجية معتمدة، مع هوامش تمّ رسمها بالتراضي لدول مثل عمان والإمارات والكويت، في أيام قادتها المؤسسين خصوصاً.
– خلال العقدين الأخيرين حدثت مجموعة تطورات هزت العالم ووصلت تردّداتها الى الخليج والعلاقات الخليجية الداخلية، وكانت قطر مع ثرواتها الضخمة الناجمة عن اكتشاف كميات هائلة من الغاز فيها في ظل عدد سكانها المحدود، أول من شق عصا الطاعة على الموقع المسلّم به للسعودية برسم سقوف السياسات الخليجية، وكانت قناة الجزيرة قد بدأت ترسم معالم الطموح القطريّ لدور كبير على الساحة العربية، وخلال حرب تموز 2006 على لبنان وعندما وقفت الرياض تعلن الحرب على المقاومة وتتهمها بالمغامرة، وقفت قطر مستفيدة من علاقتها بتركيا وبحركة حماس في موقع مختلف، أقرب للمقاومة، رغم العلاقات الأميركية القطرية التي ترجمت باستضافة قطر قاعدة العيديد الأميركية.
– خلال الثورات الملوّنة التي عرفها العالم العربي، والتي توّجت بالحرب على سورية، تقدم الموقع القطري لينافس السعودية على القيادة، وتسبب الفشل بتدفيع قطر فاتورة مكلفة تمثلت بتنحي أميرها ورئيس حكومتها ووزير خارجيتها الذي ارتبط اسمه بمشروع قطر للإمساك بملفات حساسة في المنطقة وصولاً للتدخل في تشكيل حكومات دول مثل مصر وتونس، لكن العودة السعودية الى الواجهة لم تترافق مع مشروع جديد قابل للنجاح، فبقيت القطيعة مع سورية التي شكل شبه الإجماع الخليجي أساساً لتحولها إلى قرار في الجامعة العربية، ثم جاءت الحرب على اليمن لتظهر تحالفاً خليجياً رباعياً تقوده السعودية ضم قطر والإمارات والبحرين بالإضافة الى السعودية، وبقيت دولتان عملياً خارج المظلة السعودية، ولو من دون تصادم، هي الكويت وعُمان.
– بدأ التحالف بالتفكك مع الفشل في حرب اليمن، فخرجت قطر، ثم انفردت الإمارات بمشروع خاص في الجنوب، وبقيت البحرين موجودة اسمياً، لتبدو السعودية وحيدة عالقة في هذه الحرب، ورغم الحصار الذي قادته السعودية بوجه قطر وشاركتها فيه مصر والإمارات والبحرين، جاء الارتباك السعودي مع تبدل الإدارات الأميركية والتراجع الذي اصيب به المشروع الأميركي في المنطقة، مع صعود روسي صيني إيراني، ليمنح الإمارات وقطر فرص الانفراد بسياسات تختلف عن الموقف السعودي، بالتزامن مع ظهور صراع قطري إماراتي، حتى ظهرت السعودية دون حلفاء مع وقوف البحرين على الحياد بين السعودية والإمارات رغم ارتباطها الأمني والجغرافي والمالي بالسعودية، في وضع أقرب للمحميّة.
– الخلاف الإماراتي السعودي في المسألة النفطية ليس مجرد خلاف عابر، فهو نقطة فاضت بها الكأس الإماراتيّة التواقة للانفصال عن المظلة السعودية، فالإمارات التي تمتلك ثروة نفطية ونمواً اقتصادياً يجعلانها الدولة الثانية بعد السعودية في القدرة المالية بعد السعودية بناتج إجمالي سنوي يقارب الـ 500 مليار دولار سنوياً، لتحتل المركز الثالث في الشرق الأوسط بعد السعودية وتركيا، وقد خطت في قرار التطبيع مع كيان الإحتلال خطوة جعلت الإمارات تعتقد أنها أقرب لقلب واشنطن، وأنها قادرة على احتواء غضب إيران بموقفها المنفصل عن السعودية في حرب اليمن، حيث ترعى الحراك الجنوبي، الذي ينأى عن الانخراط في الحرب مع أنصار الله، ويعتبر مشكلته مع الجماعات المدعومة من السعودية التي تعيق استقلال الجنوب أو تمتعه بحكم ذاتي واسع، وتسعى الإمارات للفصل بين مسارها في التطبيع عن مسارها الذي سبقت فيه السعودية نحو سورية، وتمايزها عن مصر وقطر والسعودية التي يحكم موقفها التردد نحو سورية بدرجات متفاوتة.
– زمن الوحدة السياسية في الخليج يبدو أنه أصبح من الماضي، والزعامة السعودية عندما تفقد القدرة على الإمساك بالخليج، ستفقد معها الكثير، وتبدو حرب اليمن العامل الأشدّ قسوة في إضعاف المكانة السعودية، ورغم ذلك لا يزال التردد السعودي في خيارات وقف النار ورفع الحصار يعقد فرص الخروج السعودي من هذه الحرب.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2021/07/07