حرب اقتصادية سياحية نفطية سياسية بين حلفاء الأمس.. العلاقات السعودية الإماراتية إلى أين؟
فاطمة عواد الجبوري
لا شيء يعلو اليوم فوق صراع ممالك الخليج، حلفاء الأمس وأعداء اليوم. على الرغم من الصور المشتركة لكل من بن سلمان وبن زايد التي يضعها قلة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في كل من السعودية والإمارات، إلا أن التحالف الورقي بين البلدين في طريقه للتحول إلى عداوة إقليمية وصراع سيطرة.
جذور هذه الخلافات هي إيديلوجية وجيوسياسية أكثر منها خلافات اقتصادية. إذ أن هذه الخلافات بدأت بعد أن استفاق ولي العهد السعودي من وهم احتلال اليمن، وبعد سنوات من الحرب والتشريد والتجويع والقتل لنساء وأطفال اليمن، اقتنع محمد بن سلمان بأنها حرب مكلفة لا جدوى منها وبأن الحليف الإماراتي انسحب من الحرب في سنواتها الأولى وضل يدعم حلفاء محليين ليكونوا اليد المحلية الحافظة للمصالح الإماراتية على طول الساحل اليمني. وبالفعل فقد تحركت الإمارات نحو دعم المجلس الإنتقالي إلى أن أصبح القوة المحلية التي لا تقهر. بينما بدأت ضربات الحوثيين بشل الاقتصاد السعودي وتعريضه لخسائر ضخمة تقدر بمليارات الدولارات.
من جهة أخرى، وفي تجاهل واضح وصريح للدور الإقليمي السعودي، تحركت الإمارات منفردة نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ومحاولة اقناع الدول الخليجية بالسير على هذا المسار. نظرت السعودية إلى هذه الخطوة على أنها خطوة مبكرة وبأنها تجاهل للدور السعودي وتعظيم لدولة الإماراتية التي لا تتمتع بموقع جيوسياسي يؤهلها للعب دور القائد الإقليمي.
في ظل هذا الصراع السياسي والإيديلوجي فهم بن سلمان بأن الإضرار بمصالح الإمارات يجب أن اقتصادياً، وذلك لتحجيم دور الإمارات التي تعتمد اعتماداً كلياً على الاقتصاد في دفع أجنداتها السياسية. ففي ظل انتشار جائحة كورونا والخسائر الفادحة التي ألحقتها بالاقتصاد الإماراتي بدأت السعودية حربها الاقتصادية ضد الإمارات بتهديد الشركات المتعددة الجنسية بنقل مقراتها إلى الرياض بحلول عام 2024 وإن لم تقم بذلك فإن ستواجه بفسخ عقود مغرية ولن تحصل على امتيازات مستقبلية. تتخذ الشركات العالمية (حتى الشركات التجارية والإعلامية السعودية) من الإمارات مقراً لها وهذا يدر على الإمارات مليارات الدولارات وكان يساهم بخفض معدلات البطالة في الإمارات إلى مستويات منخفضة للغاية. وفي ذات الإطار شنت السعودية حرباً ضد البضائع المصنعة في الإمارات وأصدرت مؤخراً قراراً جمركيا يستهدف الإمارات وحدها ولا غير. إذ نص القرار على حذف الامتيازات الجمركية والتعرفة من البضائع التي يتم تصنيعها في المناطق الحرة ويتم اعتبار هذه البضائع على أنها بضائع أجنبية (أي كل الصادرات الإماراتية إلى السعودية)، كما سيتم استبعاد الامتيازات الجمركية من البضائع التي يتم استيرادها من شركات تقل فيها اليد العاملة المحلية عن 25 بالمائة. وتقصد السعودية هنا الشركات الإماراتية التي تعتمد على العمالة الأجنبية في المجمل. كما وجهت السعودية ضربة قوية لاقتصاد الإماراتي الذي سعى خلال العام الماضي إلى ترويج البضائع الإسرائيلية أو البضائع القادمة من المستوطنات بشكل مباشر إذ ألغت الامتيازات الجمركية على أي بضائع مصنعة من قبل شركات إسرائيلية.
أما على الصعيد السياحي والذي يشكل عصب الاقتصاد الإماراتي بعد النفط فقد حظرت السعودية السفر من وإلى الإمارات وهي بذلك حرمت الإمارات من مليوني سعودي يزورون الإمارات كل عام. ناهيك عن أن السياح والزائرين السعوديين هم من أكثر السياح انفاقا في الإمارات. كما شكل هذا القرار ضربة قاسمة لخطوط الطيران الإماراتي التي تعاني من مشاكل اقتصادية بعد تفشي جائحة كورونا حيث بلغت خسائر الخطوط الجوية الإماراتية أكثر من 5.5 مليار دولار خلال العام الماضي فقط. الملفت للانتباه في قرار حظر السفر السعودي الأخير هو أنها وضع الإمارات في مستوى واحد مع دول إثيوبيا وأفغانستان وفيتنام. كما تترد أنباء عن سعي ولي العهد السعودي لإنشاء خطوط جوية سعودية منافسة للخطوط الإماراتية والقطرية، وهذا المشروع إن تم فهو ضربة اقتصادية مهمة ضد الحليف السابق.
على مستوى النفط، ارتفعت حدة الخلاف بين البلدين في الاجتماع الأخير لمنظمة أوبك. حيث انتقدت السعودية وبشكل علني على لسان وزير طاقتها عبد العزيز بن سلمان، انتقدت الجهود الإماراتية لزيادة الإنتاج حيث قال الأخير بأن الإمارات تسعى لإبطال توافق أوبك بشأن خفض الإنتاج للحفاظ على استقرار الأسعار. المسؤولون السعوديون في أوبك دعموا القرار بأن تبقى معدلات عرض النفط على حالها إلى أواخر 2022 بينما تنظر الإمارات إلى هذا الاتفاق على أنه اتفاق غير عادل وترغب في زيادة في انتاج النفط، وتأتي هذه الرغبة الإماراتية نتيجة الضغوط الاقتصادية التي تشهدها البلاد نتيجة تفشي جائحة كورونا والخسائر الفادحة التي تشهدها.
أخيراً، ما ساهم بدفع الخلافات إلى الظهور إلى العلن بين السعودية والإماراتية هي حرب دامية شنها التحالف المعتدي ضد دولة فقيرة جارة ساهمت الحرب في زيادة جوع سكانها وتشريدهم. إلا أن صمود اليمنيين أثمر تصدع في هذا التحالف الهش.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/07/15