فاقد الشيء لا يعطيه
مأمون كيوان ..
كتب ستيفن م. والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، مقالاً في مجلة "فورين بوليسي" بعنوان: "لماذا الولايات المتحدة سيئة جداً بترويج الديمقراطية في البلدان الأخرى؟". أشار فيه إلى أن آخر ثلاث إدارات أميركية تبنت المثل الويلسونية، جاعلة من ترويج الديمقراطية عنصراً رئيسياً من السياسة الخارجية الأميركية. بالنسبة لبيل كلينتون، كانت "إستراتيجية الأمن القومي للانخراط والتوسع"؛ وبالنسبة لجورج دبليو بوش كانت "أجندة الحرية" التي تحدث عنها في خطاب تنصيبه الثاني ورددها مسؤولون رفيعون مثل كونداليزا رايس. أما باراك أوباما فأعلن أنه "ليس هناك أي حق أكثر أساسية من قدرتك على اختيار قادتك". ودعم الانتقال الديمقراطي في كل من مصر وليبيا واليمن.
واكتشف أن جهود ترويج وتعزيز الديمقراطية لم يكن بلاؤها حسناً. فقصص النجاح مثل إنهاء الحكم العسكري في ميانمار (بورما) مؤخراً، يقابلها عدد أكبر من الإخفاقات التي يمكن رؤيتها في ليبيا واليمن والعراق، والتراجع الواضح في تركيا وهنغاريا وروسيا وبولندا وغيرها، إضافة إلى اختلالات عمل الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة نفسها.
وأرجع فشل استخدام القوة العسكرية لنشر الديمقراطية إلى رزمة أسباب منها: "أولاً، تطلب الاعتقاد بأن الجيش الأميركي استطاع تصدير الديمقراطية بسرعة وبكلفة رخيصة درجة عالية من الغطرسة التي يصعب تصورها. ثانيا، في كل الحالات تقريبا، يفضي استخدام القوة لنشر الديمقراطية إلى استدعاء المقاومة العنيفة. وما تزال القومية وغيرها من أشكال الهوية المحلية ملامح قوية لعالم اليوم، حيث يأنف الناس من اتباع أوامر احتلال جيد التسليح. كما أن المجموعات التي خسرت السلطة والثروة أو المكانة في سياق الانتقال الديمقراطي (مثل السنة في عراق ما بعد صدام) سيميلون حتماً إلى حمل الأسلحة في المعارضة، وقد تحاول الدول المجاورة التي تأثرت مصالحها سلبياً بالانتقال وقفه أو قلب وجهته".
ويعتقد والت أن خلق الديمقراطية في بلد أجنبي يشكل "مشروعا هندسيا مجتمعيا واسعا، وسيكون توقع قيام قوى خارجية بإنجازه بفعالية أشبه بالطلب من أحد ما بناء محطة طاقة نووية، من دون معلومات ومسودات، فوق منطقة زلازل نشطة. وفي كلتا الحالتين، يجب توقع تحلل سريع للمشروع".
واعتبر والت أن حجر الزاوية في نشر الولايات المتحدة للديمقراطية يتمثل في التزامها بمثلها الديمقراطية في الداخل الأميركي أولاً. وأن "إصلاح الولايات المتحدة يجب أن يكون أسهل بكثير من محاولة خلق ديمقراطية في أفغانستان أو اليمن أو أي أمكنة أخرى، حيث ما نزال نفشل منذ عقد أو أكثر".
ويقر والت بأنه تتفشى في المجتمع الأميركي الذي كان يعتبر مجتمعاً عادلاً ومزدهراً وحيوياً ومتسامحاً، اللامساواة، والساسة البارزون يروجون لرهاب الأجانب، ورواد السجون هم الأضخم عالمياً، وحيث تتداعى المطارات والبنية التحتية. ويتم استبعاد الملايين من المواطنين المؤهلين من التصويت. إضافة إلى عدم إغلاق جوانتنامو والقتل المستهدف وسجن أبو غريب، ورقابة وكالة الأمن القومي المفرطة، والتردد في محاسبة الأقوياء على سوء أفعالهم.
وسبق للكاتب الأميركي الدكتور وليام جي ليدرر، صاحب كتاب "الأميركي القبيح"، أن أشار إلى عمق أزمة المجتمع والسياسة الخارجية الأميركية والتعتيم الإعلامي وحجب الحقائق عن الشعب الأميركي في كتابه الثاني الموسوم "أمة من الغنم" (A Nation of Sheep)، الذي ترجم إلى العربية عام 2004.
واعتبر ليدرر، أن فقدان المعرفة بالأمور الدولية جعل الشعب الأميركي يبدو وكأنه شعب من الغنم، شعب صلب ولكنه غير مبالٍ بما يجري حوله، وليس لديه الرغبة والقدرة لمعرفة الأسباب، يوافق على أي من الحلول التي تبدو مبتذلة وسهلة، والتي تأتي من مصادر تظهر بأنها أكثر معرفة من غيرها.
وشرح ليدرر في كتابه فضائح السياسة الخارجية الأميركية في لاووس وتايلند وفورموزا وكوريا واليابان والعراق. وقدم نصائح وتوجيهات على المستوى الوطني وعلى المستوى الفردي. منها: "إذا تضافرت جهود أفراد الشعب في تثقيف أنفسهم وعملوا بشجاعة ونشاط وفق معرفتهم، عندئذٍ فقط نتمكن من إيجاد قادة أقوياء ملتزمين بالمبادئ ومزوّدين بالمعلومات، فهم ينبعون منا، لذلك علينا أن نوجد الجو المناسب الذي يمكن أن يترعرعوا ويزدهروا فيه. ومن أجل البقاء علينا ألاّ نتصرف كأمة من الغنم، بل يجب أن نصبح مرة أخرى مواطنين ثوريين يجب أن نتحرك وننمو مع تغيير مجريات الأحداث وتطورها".
ويستدل من النقاشات الأميركية الموسمية التي تصاحب عادة استحقاقات انتخابية، أن أميركا ليست جمهورية أفلاطون أو فردوساً أرضياً. وأن أمركة العالم وفق مقاييس "ماكدونالدية". والديمقراطية ليست سلعة قابلة للتصدير بل هي في جوهرها حل عادل لمشكلات العلاقة بين المجتمع والدولة والشعب وقادته. فضلاً عن كونها وسيلة لتلبية متطلبات الشعب وليست أداة لإدارته والتحكم به.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/05/03