آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

جميل الذيابي .. صفِـق وحدك

 

 طراد بن سعيد العمري ..

خرج علينا الصديق الأستاذ جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة عكاظ، بمقال عجيب غريب بعنوان “السوداويون وجماعة «لكن».. و«الرؤية»!” مليء بنغمة جديدة وكأنه “حادي العيس” يصفق وحده في الفلاة . نسي الذيابي أن السعودية أصبحت غير، ولم تعد كالتي يعرفها، فذِكر عيوب الدولة والحكومة أصبح هدية حسب توجيهات خادم الحرمين الشريفين للإعلاميين والكتاب (رحم الله من أهدى إلي عيوبي). كما أضحى النقد مطلوب أكثر من الثناء، حسب طلب ورغبة سمو ولي ولي العهد، مع التحوّل الوطني. “لكن” جميل الذيابي يعيش في عالم آخر، على ما نظن، فيطالب الإعلاميين والكتاب وكافة المواطنين الذين يناقشون الرؤية السعودية 2030 أما أن يصفقوا ويطبلوا كما فعل هو، أو يصمتوا. كما لا نعرف أسباب تبرم جميل الذيابي، من “لكن” في معرض نقد الرؤية، ولماذا يفترِض سعادة رئيس التحرير أن كل من انتقد الرؤية يعتبر مثبطاً، وممتعضاً، ولا يبحث إلا عن السلبيات؟

 

عجيب أمر كرسي رئيس التحرير في السعودية يصيب صاحبه بكثير من الغطرسة والدكتاتورية والإنخراط في التضليل والتصفيق، ولو فكر جميل الذيابي في ما كتبه لمدة خمس دقائق فقط، لإكتشف حجم الغلطة التي إرتكبها في دفع الكتاب نحو المديح والتصفيق، بحجة قديمة وهو النظر إلى الإيجابيات. وهل للصحافة أو الإعلام من مهمة أو معنى سوى التفتيش والبحث عن عيوب وسلبيات الحكومة وإظهارها إلى السطح، ولفت نظر المسئولين إليها؟ ليس من شأن الكاتب أن ينظر إلى الإيجابي والجميل في عمل الحكومة، بل إلى السلبي والسيء، لأن المفترض أن يكون عمل الحكومة إيجابياً. كما أن النتيجة الإيجابية لعمل الحكومة لا تحتاج إلى براهين وأدلة، من ناحية، والكتاب ليسوا موظفين علاقات عامة للوزراء والوزارات لكي يبرزوا نجاحات المسئول، من ناحية أخرى. بل مواطنين شرفاء يحملون أمانة الكلمة، ويخشون على وطنهم، بقدر وبحجم خشية الوزراء وأكثر.

 

صنف الذيابي الكتاب الذين انتقدوا جوانب من الرؤية السعودية 2030، بأنهم “أعداء التغيير، الذين لا يصدر منهم سوى أنين التذمر، وعبارات الإحباط، ولايعرفون للتفاؤل نافذة، راكضين في بحر التشاؤم والتشاؤل!”. هل سأل جميل الذيابي نفسه لماذا صدر من بعض الكتاب أنين التذمر وعبارات الإحباط وأضاعوا نافذة التفاؤل؟ هنا الجواب ياسعادة رئيس التحرير: (١) لأن (٩) خطط خمسية تنموية تكرر مقولة تنويع مصادر الدخل، ولم يحدث ذلك التنويع؛ (٢) ولأن رؤية مستقبلية سبق أن صدرت في العام ٢٠٠٢م قدمت وعود حتى العام ٢٠٢٠م، لكنها تلاشت ولا يعلم أحد عنها شيئا؛ (٣) ولأن كثير من المدن الإقتصادية التي أعلن عنها في العام ٢٠٠٥م لم ترى النور بعد؛ (٤) ولأن (٥٠٠) ألف وحدة سكنية تم الإعلان عنها في العام ٢٠١١م وذهبت في خبر “فكّر”. (٥) .. (٦) .. (٧) .. الخ. هل تريد المزيد، يا أستاذ جميل، من السرد لوعود ومشاريع تم الإعلان عنها ولم يشاهد ويلمس نتائجها المواطن؟

 

يأتي الأمير الشاب محمد بن سلمان وأمامه تركة كبيرة بحجم الأرض، وهو يعرف ذلك حق المعرفة، وقادر على تحمل النقد ويطالب به لكي يصل إلى عمق التذمر والإحباط في داخل المواطن ويجعل من ذلك كله تحدياً ودافع له ولفريق العمل معه. وها أنت تأتي ياسعادة رئيس التحرير لكي تكون “ملكياً أكثر من الملك”، وتشكل حائط صد من المديح والتصفيق. نقد الرؤية السعودية، وإظهار السلبيات، وتعظيم التشاؤم، كلها أمور صحية وتدل على إعلام واعٍ متفاعل مع مايدور حول مستقبل الوطن. فالمنطق يتطلب خفض التوقعات لأن في عدم تحقيقها تتعاظم خيبات الأمل. وإذا كنت من موقعك في الصحيفة تستطيع فرض التصفيق والتطبيل على كتاب صحيفة عكاظ، ونشك في ذلك، إلا أنك لن تستطيع فرض ذلك على كل الكتاب الوطنيين الأحرار المحبين لوطنهم وضمهم إلى جوقة المطبلين وفريق المصفقين.

 

كنّا نظن أن انتقال الأستاذ جميل الذيابي من صحيفة “الحياة”، التي أبلى فيها بلاء حسناً، إلى صحيفة “عكاظ” سيرفع من سقف الحرية والنقد والتركيز على عيوب وهفوات الحكومة، والقعود مقعد الراصد للوزراء ونوابهم ووكلائهم وكافة المسئولين الموكل إليهم خدمة المواطن. كنّا نظن، أيضاً، أن جميل الذيابي تطوّر وتطهّر من داء التطبيل والتصفيق بحكم إقامته في بريطانيا ذات الصحافة الإحترافية والمتخصصة في نقد أداء الوزارات والوزراء. كنّا نظن، أن الذيابي سيجعل من صحيفة “عكاظ” أشبه ما يكون بصحيفة الظل التي ترقب بعين النقد والتقييم والتقويم المشاريع التنموية في جدة وخارجها. كنّا نظن، أن سعادة رئيس التحرير سيبادر بندوة ترعاها عكاظ تناقش الرؤية بكل مالها وما عليها ويتم نشرها بكل أمانة في الصحيفة تباعاً. لكن كما يقول محمد عبده “خاب ظني”.

 

ينتقد أستاذنا الذيابي مفردة “لكن”، التي تأتي في ثنايا مقال كاتب مؤدب مهذب. لكن، جميل لا يعرف أن الحق سبحانه وتعالى كرر مفردة “لكن” (١٢٠) مرة في التنزيل الحكيم. كما لا يعرف جميل الذيابي أن مسئولية الكاتب والصحافة والمثقفين بشكل عام هو نقد الحكومة فقط. ولا يدرك، رئيس تحرير “عكاظ”، أن مقولة النقد “البنّاء” هو من مخترعات عالمنا العربي المُغرق في التخلف، وليس لها أساس من المنطق. فكل نقد مهما كان مستفزاً هو بنّاء، بل أن النقد الذي لا يستفز فكر وعقل وجوارح المسئول ليس نقداً وإثمه أكبر من نفعه. نسي جميل أن الأسلوب القديم في كتابة النقد بالإيحاء والتلميح والرموز ودسها بين السطور، هي حقبة سادت ثم بادت. فلم تعد الحقبة الحالية والتنمية المنشودة اليوم تتسق مع كتابات وكتاب يسربون نقدهم في ثنايا عاصفة من التصفيق.

 

نقد الرؤية 2030 بكل أشكال وأنواع النقد أمر مطلوب، وإظهار مخاوف المجتمع عبر مقالات الكتاب أمر محمود، واستباق الكوارث بالتشكيك والحذر والخوف أمر صحي. فلماذا يتبرم أستاذنا الذيابي ويستنكف من النقد والتشكيك في نجاح رؤية لم تتحقق نتائجها بعد؟ هل كان جميل سيكتب ما كتب، لو من أعلن الرؤية وزير من الوزراء، ولم يعلنها الأمير؟ ألا يكفي أن يكون جميل الذيابي رئيساً للتحرير يسوّغ له منصبه أن يقول كتابة ما لا يؤمن به، بل ما تريده وزارة الإعلام؟ هل يريد سعادة رئيس تحرير عكاظ من الكتّاب أما أن يصفقوا، أو يلتزم الجميع الصمت؟ هل قرأ جميل الذيابي مقال أستاذنا الكبير محمد الرطيان في صحيفة عكاظ بعنوان “رسالة مفتوحة إلى سمو الأمير”؟ أشك في ذلك، وإن قرأها فنحن نجزم بأنه لم يفهمها.

 

أخيراً، لقد ارتكبت غلطة كبرى ياجميل، لم يكن مقالك خطأ، بل غلطة. هل تعرف الفرق بين الخطأ Mistake والغلط Wrong؟ ولذا، ليس أمامك في ظننا، سوى أن تعتذر أو تستقيل. لكن كل الخشية أن يكون أصابك ما أصاب بعض وزرائنا من خمر السلطة فتستنكف من الاعتذار، وترفض الاستقالة. المرحلة التنموية القادمة سيدي جميل، تتطلب مفهوم إعلامي غير، وكتاب ورؤساء تحرير غير، وصحافة واثقة وقوية، لا يكون فيها مزايدة حول الدين أو الوطنية، فإذا لم تعتذر أو تستقيل فأنت لست أهل للمضي معنا في رحلة المستقبل. ختاماً، سأعتذر لجميع الكتاب الذين نقدوا الرؤية بحس وطني نيابة عن أستاذنا جميل الذيابي، فهو منشغل وحده بالتصفيق. حفظ الله الوطن

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2016/05/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد