المملكة العربية السعودية: هل تمثل الأكثريتين العربية والإسلامية!
علي الدربولي ..
قبل الإجابة على هذا السؤال الكبير، علينا أن نضع المعيار الضابط لهذا التمثيل في دنيا العروبة والإسلام، ثم نحكم على، أو بالأصح نتبين، نسبة تمثيل المملكة للعرب والمسلمين.
المعيار هنا، والذي يتقدم أي معيار غيره برأيي، هو: القضية الفلسطينية بامتياز، لماذا؟ لأنها محور القضايا العربية السياسية بشكل خاص، فأرض فلسطين عربية، ومحور القضايا السياسية الإسلامية بشكل عام، فأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين هنا فوق أرض فلسطين. أما من حيث زمن ذلك، أقول قد كان هذا، منذ أن بيَّت الغرب خططه، ومن ثم أخرجها على ضوء اتفاقية سايكس-بيكو و وعد بلفور إلى حيز التنفيذ.
كل أمر من الأمور يحتاج إلى عوامل، لنقل اختبارية،لإثبات حقيقته، أي أن يوضع على المحك كي يظهر باطنه إلى العلن كما هو بالفعل، هذا إذا ما كان ظاهرا للعيان بغير شكل في الأصل، أي بتلوّن مقصود مولد للاشتباه، هذا وجه، والوجه الآخر المباشر، هو أن يُنبش الأمر، أو الموقف الحقيقي، تجاه قضايا سياسية أو اجتماعية، من بين زوايا التكتم، و يلقى هكذا في وجه الجميع بعد أن تُهيّأ له البيئة الحاضنة والصالحة لنموه، كي يبقى بالتالي حيا، بقدر ما تتطلب المصلحة بقاءه.لا أطرح هنا قضية فلسفية، بل أطرح قضية منطقية علينا مقاربتها من هذه الزاوية، لأني أرى أن المملكة العربية السعودية خير مثال مؤدٍّ في السياسة والدين والاجتماع طبقا لهذا الفهم، وعلى وجه الخصوص بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية… وذلك كما يلي:
*المملكة العربية السعودية والإسلام:
-مملكة مسلمة هي، إلا أننا نلاحظ أنها لم تضمّن اسمها-اسم الدولة-عبارة تدل على هويتها الإسلامية،كأن تكون(المملكة العربية الإسلامية السعودية) -على غرار ما ذهبت إليه إيران بعد الثورة(جمهورية إيران الإسلامية)- من حيث كون المملكة الدولة التي تحتضن أرضها المقدسات الإسلامية الأولى في العالم، وأرضها مهبط الوحي وقاعدة انتشار الإسلام في كل حدب وصوب منذ البدايات. لكنها عوضا عن ذلك رأيناها تتبع كمنهج في السياسة وإدارة المجتمع الفكر الوهابي المتشدد الذي يريد أن يوقف حركة الفكر الإسلامي المعتدل إلى الأمام، وتكفير الآخر الذي لا يوافقه الرأي كان سلاحه في ذلك.
مملكة مسلمة هي: لها الرأي النافذ في المنظمات والروابط الإسلامية التي هي عضو فيها على مستوى العالم، فالمقر المؤقت لمنظمة التعاون الإسلامي التي تأسست كمؤتمر في عام 1969م كان في مدينة “جدة” السعودية على أن يكون مقرها الدائم “في مدينة القدس الشريف بعد تحريرها” وبعد أن تصف المنظمة نفسها بأنها “الصوت الجماعي للعالم الإسلامي” تعلن أهم مبادئها الذي هو:
“الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين (بما فيهم العرب طبعا) المتمثلة في القدس وقبة الصخرة كقاسم مشترك بين جميع المسلمين”. أين نحن من ذلك؟ وكذلك لها نفوذها الواسع في رابطة العالم الإسلامي، كـ”منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة” كما تصف نفسها، ومقرها في “مكة الكرمة” هذا عداك عن تغلغلها في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، إضافة إلى قيامها ببناء المساجد الكبرى في أوروبا وفي العالم، وتعهدها رعاية دعوية ومالية عبر تعيين الخطباء المتشبعين بالفكر الوهابي دون تردد، أو قبول رأي آخر.
-مملكة عربية هي، لكنها راحت تحارب وتمنع انتشار أي فكر قومي عربي، إذا لم يكن منضويا تحت جناحي سلطتيها المالية والفكرية، حرصا منها على حرف اتجاه بوصلته، وراحت الفتاوى التكفيرية تمر من تحت إبط السلطة فيها باتجاه عزل الفكر القومي العربي وتوجيه تهم الإلحاد إليه بشكل عام.
كي لا ننسى … دائما معيارنا هنا القضية الفلسطينية.
*كمملكة عربية تعاملت مع العرب من ناحيتين سياسية وشعبية:
الناحية السياسية:
عبر الجامعة العربية في مؤتمرات القمة كان لها تأثير فعال، كإحدى الأثافي الثلاثة، إضافة إلى سورية ومصر، التي تقوم عليها السياسة العربية، وقد توجت تأثيرها ذلك عبر تقديم “مبادرة سلام” مع (إسرائيل) بشخص الملك الراحل”عبد الله بن عبد العزيز″. ووفق على هذه المبادرة، وصدرت باسم العرب عن مؤتمر قمتهم المنعقد في بيروت في عام 2002م، وذلك انطلاقا من اقتناع الدول العربية بأن”الحل العسكري لم يحقق السلام أو الأمن لأي طرف من الأطراف” والجميع رأى كيف أن وهج هذه المبادرة كان قد انطفأ لرفض (إسرائيل) لها على الفور، وتاليا عدم جدية العرب في الإصرار عليها، وخاصة من قبل أصحاب المبادرة، فأضحت هذه حبيسة الأدراج، أو قل فزاعة، ولكن من ورق في وجه(إسرئيل). ! لنذكر هنا بالتحالفات السياسية التي شكلتها المملكة على ضوء (الربيع الأحمر العربي) ، كالحلف (السني) ضد الإرهاب، والحلف(العربي) في حربها على اليمن.وكان المال السياسي الذي قدمته لتسليح الجيش اللبناني، وفي وقت لاحق تجميده وسحبه لأسباب سعودية داخلية، ولم يكن في الحقيقة إلا لأسباب سياسية لم تر بعينها المملكة سوى أن الجيش اللبناني في مكافحته للإرهاب كان يعمل خارج نطاق رؤيتها ولا ينفذ سياسة عسكرية مقبولة لديها.
الناحية الشعبية:
أولا: تتعامل المملكة مع الشعب السعودي (خاصتها) من منطلق قبلي أو عشائري، وغالبا ما تكون صلة الوصل بين السلطة والشعب من عمل الوجهاء كزعماء القبائل وشيوخ العشائر، وفي الحدود الدنيا من ذلك نجد للعائلات الكبرى أقنية تواصلها الخاصة مع السلطة. أما عن أدوات تمتين العلاقات بين الطرفين، السلطة والشعب، نجدها تقتصر على المال، والمصاهرات، وتلك التغطية شبه الشاملة لأنشطة علماء الفكر الوهابي، بما لديهم من نفوذ طاغٍ، على قاعدة اعتبار الآخر عدوا منافسا دائما، وكانت مبادرة السلطة إلى دفع مبالغ مالية طائلة للشعب من موظفين وغير ذلك اتقاء لشر(الربيع الأحمر العربي) في بدايته خير مثال لفعالية المال في سياسة الشعب وضمان ولائه.
ثانيا: تطبق المملكة أسلوبها في التعامل مع الشعب السعودي على بقية الشعوب العر بية بشكل أو بآخر، ولقد رأينا غيضا من فيض ذلك حيث طفا على السطح ذلك الأسلوب في ظل (الربيع الأحمر العربي)، عندما قامت شرائح اجتماعية معينة ضد حكوماتها، خاصة تلك التي أجبرتها في السابق حالة العوز وقليل من الميل المذهبي، إلى العمل في المملكة، ومعهم من جرفه تيار المذهبية الإعلامي التحريضي، إضافة إلى من التحق مجددا بهذه الشرائح لقاء منفعة، ليبقى (إرهاب المال) بمعنى خضوع الناس له ،كخيار وحيد، باعتبارهم (ثوارا) بعد أن بدأوا يتلقونه من السعودية عبر الأنشطة الاجتماعية، أو الرسمية، إضافة إلى تغطية نفقات الحرب غير المباشرة، والمباشرة على بعض الحكومات العربية الجمهورية، خاصة في سورية واليمن تحت غطاء (إنقاذ الشعب السوري)، وجلب (الرفاه والنعيم) للشعب اليمني؟!.
المملكة العربية السعودية و(إسرائيل):
جرف سيل (الربيع الأحمر العربي) كثيرا من التراب والصخر الذي كان يغلف وجه الموقف الحقيقي للمملكة تجاه (إسرائيل)، فها هي قد راحت تطبع سياسيا معها عبر لقاءات لم تعد سرية، وراحت تعتبر أن الموقف من (الطموح) الإيراني في السيطرة على المنطقة خطرا يهددها مثلما تعتبره (إسرائيل)، وأن المقاومة اللبنانية التي يمثلها حزب الله مقاومة (إرهابية) مثلما تعتبرها (إسرائيل)، ولهذا قامت وبكل الوسائل المالية المخفي منه والمعلن، حيث لا وسيلة عسكرية كافية لديها، أو متاحة ومسموح بها دوليا، بالضغط لاستصدار قرارات توصف حزب الله على أنه حزب (إرهابي) في الاجتماعات العربية والإسلامية على مستوى القمم أو غير ذلك…ما يشير إلى استمرارية تأثيرها الفعال على كثير من الدول العربية والإسلامية في السياسة، ولكن السؤال الأهم هو هل لها من التأثير على الشعوب العربية والإسلامية ما يوازي تأثيرها على القيادات السياسية في بلدان تلك الشعوب؟ الجواب:
على ضوء تنسيق المملكة المخفي والمعلن مع (إسرائيل) على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، ومعها دول الخليج بدون حساب للدماء التي سالت على ضفاف القضية الفلسطينية، والتي كانت مثل هذه العلاقات مع (إسرائيل) أي التطبيع والتعاون، هي شرط حل عقدة السلام معها بعد حل الدولتين على جانب القضية الفلسطينية، وانسحاب (إسرائيل) من الأراضي المحتلة كالجولان وغيرها على الجانب العربي، ما نصت عليه بنود مبادرة السلام العربية إياها…
في خمسينات القرن الماضي، بل قل منذ بداية القضية الفلسطينية في أربعيناته، كانت الشعوب العربية، ما عدا تلك التي يحكمها الملوك والأمراء، تنتفض متظاهرة احتجاجا على أي عمل عدائي تقوم به (إسرائيل) ضد الفلسطينيين أو بعض العرب….ما الذي يحدث الآن؟
لا شيء…بل كل شيء يجري في الاتجاه المعاكس للتربية الثقافية ذات البعدين القومي والوطني وحتى الديني فيما يخص القضية الفلسطينية، فلا نرى احتجاجا واحدا على ما تقوم به المملكة العربية السعودية من دور، ومما يؤسف له حتى من الفلسطينيين أنفسهم، إلا من قبل الجماعات التي تختزن في ذاكرتها وعيا قوميا لما يزل حيا،وبعض المثقفين الذين يعبرون عن ألمهم في الإعلام ومنه صحيفتنا العزيزة رأي اليوم، وذلك لم يكن تهجما على المملكة، لأنه قد يكون قليل الجدوى والموضوعية، بل كان عن حق تعبيرا عن الاعتزاز بما لديهم من حيز في الوجدان لا تزال القضية الفلسطينية، تملؤه، لأنها الحق الذي يتعرض لباطل السياسة والفكر وكل منحرف من دين، مالم يتعرض له حق تكلل بمظلومية لا نظير لها في عالمنا المعاصر.
أين المظلومية:
المظلومية بشكل عام هي برأيي:
شعور يحس به صاحبها، عندما تنعدم لديه القدرة على القيام بفعل يخلصه منها استردادا لحق مسلوب أو كرامة هُدرت.
هل عجز العرب والمسلمون عن رفع الظلم عبر الانتصار للقضية الفلسطينية، ولو ضمن إطار القرارات الدولية التي رآها المجتمع الدولي أنها عادلة؟! وهل فيهم من العجز ما يبرر صمتهم المريب عل ظلم الفلسطينيين؟
في فلسطين هناك سلطة ترى إحساسها بالمظلومية، ومنعكسه الإيجابي كمحفزعلى طريق تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، يتبلور عبر التنسيق الأمني والاقتصادي مع(إسرائيل)؟! والتشبث بوهم سلطةٍ على بعض الأرض وعلى بعض الناس الذين ألانت الفاقة عريكتهم الوطنية إلى حد كبير.
في فلسطين هناك مقاومة في غزة تترجم إحساسها بالمظلومية عبر دأبها على الاستعداد ليوم وقيعة مع (إسرائيل) برغم كل السقوف التي تقيدها وتأتيها من هنا وهناك من بعض العرب الذي وقعوا اتفاقات سلام مع (إسرائيل) التزموا حرفيا بها، ومن الذين يلهثون عل طريق الإلتزام بتفاهمات، طبقا لسياسة الأمر الواقع، ظهرت بقوة اتفاقيات(سلام) مع (إسرائيل) قبل التوقيع عليها، وكما يحلو للإسرائيلي!
هناك في فلسطين أطفال انتفاضة السكاكين، الذين يرون إحساسهم بالمظلومية ذلك الدافع إلى تقديم أرواحهم البريئة على مذبح القضية وفاء لأرواح الأباء والأجداد، وقدسية التراب، وفضحا لوحشية الإسرائيلي الذي ينفرد في العالم بقضية محاكمة أطفال فلسطين أمام المحاكم العسكرية…
من العرب هنالك دول وأحزاب ومنظمات وتنظيمات وحركات ممن نذر كثيرا من المقدرات الاقتصادية والعسكرية والفكرية مضحيا برفاه، كان يمكن أن يكون بديلا، لأجل القضية الفلسطينية، ولا يزال مقاوما، ولو أن صوته بات يبدو ذو وتيرة منخفضة، يكاد له بكل اللغات، على وقع قرقعة سلاح ربيع العرب دموي؟!، لكنه يبقى كحال الطنين في أذن من يريد للقضية الفلسطينية أن تكون صفرا في معادلات الحرب والسلام المشبوه في المنطقة العربية، فإن هذا حينما يختلي بنفسه طلبا لراحة، سرعان ما يجلب له طنين المقاومة الأرق فلا يغمض له جفن.
من أول السطر:
إن من يمتلك القدرة والمرونة الدينية والقومية والوطنية من العرب على الاشتراك مع الأجنبي بتدمير بلد عربي غني تاريخا وحاضرا مثل العراق وإعدام رئيسه، وتدمير بلد عربي ثان مثل ليبيا وقتل رئيسها، وشن حرب مدمرة للبشر والحجر على أفقر بلد عربي كاليمن وتشتيت أهله، والدخول في حرب إرهابية ضد سورية، التاريخ والدولة والشعب، لم يسبق لها في التاريخ مثيلا، والمطالبة برأس رئيسها كشرط للتوقف عن استكمال دائرة التدمير الشيطاني طيلة ما يقارب ست سنوات من الزمن…إن من يمتلك من العرب كل تلك القدرات لا يعجز بالقطع عن، ليس فقط إنصاف الفلسطينيين، بل عن تدمير بنية الدولة الإسرائيلية، الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي إزالة المشروع الصهيوني عن الخارطة العالمية..
المظلومية شعبية لا سياسية
مما تقدم ترتسم ملامح المظلومية لدى الأكثريتين الشعبيتين لدى الدول العربية والإسلامية، بفعل فاعل رأسه في “الولايات المتحدة الأميركية” وفرعه الأول (إسرائيل)، ولقد رأينا ما للدول العربية الغنية من دور في ذلك، وتأتي هنا المملكة العربية السعودية بحكم نشأتها وعلاقاتها وحضورها وأهدافها، على رأس تلك الدول في الريادة وفي الضغوط السياسية والاقتصادية والمذهبية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/05/29