آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

محمد علي كلاي... في معاركه الثلاث


قاسم حسين ..

محمد علي كلاي أشهر ملاكمٍ في القرن العشرين، وأحد النجوم البارزين، في عصر صناعة النجوم، في فترةٍ تاريخيةٍ شهدت الانتشار الواسع للتلفزيون.

في هذه الفترة التاريخية، منتصف القرن، سطع نجم بيليه في كرة القدم، وألفيس بريسلي في الموسيقى، وجون كينيدي الشاب في السياسة، وقفزت صناعة السينما ونجومها. وكان النجوم، وأغلبهم أميركيون، يكسبون محبة الجماهير عبر الكرة الأرضية.

كان محمد علي كلاي من أسرة زنجية، وفي فترة صعود نجمه مطلع الستينيات، لم تكن حركة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثركنغ قد حققت أهدافها بعد، حيث لم يتخلّص النظام الأميركي من ميراث أزمنة العبودية بإقرار المساواة. كانت الحركة تمر بفترةٍ عصيبةٍ من المواجهات والصدامات مع النظام العنصري من أجل إقرار حقوقهم العامة والمساواة.

محمد علي وُلد في 1942، ووُلد لوثركنغ قبله بـ 13 عاماً، وحين قُتل في 1968، على يد أحد المتعصبين البيض، كان محمد علي في بداية رحلة الصعود، ليخوض معاركه الأولى في مجال الملاكمة، وإثبات الذات.

كان المجتمع الزنجي يواجه التمييز في حياته اليومية، من المدرسة والجامعة إلى الملعب والحانة، والشارع والتشريع. تحدياتٌ على مختلف الصعد، دفعت بهذا المجتمع لمناهضة العنصرية وإثبات الذات، فالحياة كلها تحدٍ واستجابات. وهو ما يفسّر ما حقّقه السود من إنجازاتٍ، سواءً في مجال الرياضة كالملاكمة وكرة السلة، أو السينما والموسيقى والتحصيل الجامعي، حيث برزوا كممثلين وموسيقيين، ورياضيين ومحامين. ولم تمضِ ثلاثة عقود، حتى برزوا كقادة سياسيين وعسكريين، فتقلد بعضهم منصب وزير الخارجية، أو المالية أو مستشار الأمن القومي، فضلاً عن قيادة أركان الجيش، وتُوّج ذلك بوصول باراك أوباما لمنصب الرئاسة.

لم يكن محمد علي مجرد ملاكمٍ يمثل عنفوان الشباب ومجد القوة، وإنما كان شخصيةً غنيةً اختارت أن تخوض معاركها عن قناعة وإيمان. وكان من القوة بحيث يبدأ رحلة بحث عن ملاذٍ فكري آمن لم يجده في مجتمعه، تنتهي بإعلان اعتناقه الإسلام. كما كان من القوة بحيث يرفض الالتحاق بالجيش الأميركي الذي ظلّ يقاتل عشرين عاماً في فيتنام، من أجل غرور القوة وفرض الهيمنة على بلدٍ ناءٍ أغلب أبنائه من المزارعين الفقراء. وقال قولته الشهيرة «إنها ليست معركتي مع فيتنام».

في هذا الجزء من العالم، وحيث تفتح وعي أبناء جيلي، على أسماء بيليه وبريسلي وكلاي، كانت تشدّنا قوته وطريقته الجميلة في الملاكمة، حيث كان يرقص كالفراشة حول الحلبة، حتى ينهك خصمه ويوقعه أرضاً... وكان الجمهور كلّه مع كلاي.

نحن في هذا الجزء من العالم، كانت تشدّنا إليه أكثر قضية اعتناقه للإسلام، حيث ظلّ حتى النهاية يعبّر عن آرائه ومواقفه من قضايا الساعة، فانتقد تصريحات المرشح الجمهوري المتغطرس دونالد ترامب، وضرورة رفض المسلمين للأفكار المتطرفة. وأدان ما قامت به بعض الجماعات من تفجيرات في باريس وغيرها، وقال: «المسلمون الحقيقيون يعرفون جيداً أن العنف الوحشي لمن يطلق عليهم الجهاديين الإسلاميين، يتعارض مع صميم مبادئ ديننا».

لقد حجز مكانته في التاريخ كما كان يأمل، باعتباره بطل العالم للملاكمة للوزن الثقيل ثلاث مرات، وفاز بإعجاب ومحبة الملايين عبر القارات، باعتباره رمزاً للقوة، وللنضال أيضاً من أجل الحقوق، ورفض التمييز العنصري.

الصورة التي ظلّت تختزنها ذاكرتي لكلاي، صورته وهو يرقص كالفراشة في حلبة الملاكمة، حتى استُبدلت بصوره الأخيرة، رجلاً عجوزاً، في حالة ضعف جسدي، يتكّئ في مشيته على أيدي مرافقيه. وهو الذي قال يوماً بعدما أصابه مرض الشلل الرعاش: «لقد أصابني الله بالمرض ليدرك الجميع أنني رجلٌ مثل بقية البشر»... وهي ديباجةٌ تلخّص مسيرة الإنسان الضعيف مهما علا... على هذه الأرض.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/06/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد