كاميرات الأخ الأكبر
قاسم حسين ..
أول ما تذكّرت عند مطالعة مانشيتات الصحف، صباح السبت، عن إلزام المحلات والمؤسسات بتركيب الكاميرات الأمنية، رواية الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل: «1984».
الرواية كتبها أورويل في 1948، بعد ثلاث سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، وتنبّأ فيها بمسار الأحداث السياسية وصعود الأنظمة الشمولية، حيث تستخدم التكنولوجيا في فرض سيطرتها على الشعوب وخنق حريتها وزيادة التحكم فيها. ومع أن الرواية تتحدّث عن «الاشتراكية الإنجليزية» التي تتلاعب بالجماهير في بريطانيا، إلا أن فكرتها المستقبلية العامة تنطبق على الدول الأخرى المختلفة، ولذلك استقبلت في الشرق والغرب، وتُرجمت إلى عشرات اللغات.
تنبؤات أورويل تحقّق الكثير منها، وكُتب عنها الكثير، وخصوصاً في منتصف الثمانينات، مع حلول موعد النبوءة.
زيادة التحكم في الناس والحدّ من حرياتهم، وفرض كل ذلك باسم القانون، دون أن يكون لها رأي في ذلك، هو المأساة. وتتضاعف المشكلة إذا تم ذلك من دون وجود جهات تحفظ حقوق الناس وتدافع عن مصالحها وحرياتها، ويتم استعمال أحدث الأجهزة للمراقبة أو قد تكون للتنصت على الناس، وربما ملاحقتها ومعاقبتها على آرائها، وقد رمز للسلطة الشمولية بـ «الأخ الأكبر».
لم يعد الناس أحراراً في هذا الزمان، وكلّما تقدم الزمن ازدادت القيود حول حرية التعبير، وازدادت المراقبة اللصيقة للأفراد. قبل ثلاثين عاماً كان يكلّف بملاحقتك شخصٌ يقتفي أثرك بالسيارة، وتُظهر الأفلام المصرية كيف يجلس المكلّف بمراقبتك في مقهى، يسترق النظر إليك من وراء صحيفة. أما اليوم فجهاز هاتفك النقال يدل على مكان وجودك، ويجرى تتبع مكالماتك ورصد الأرقام التي تتصل بك وتتصل بها. لقد بلغت الدولة درجة عالية من فرض الرقابة على المواطن وزيادة الخناق عليه.
لنسأل الآن عن فرض تركيب كاميرات على جميع المؤسسات والشركات والمحلات، هل سيقلل الجريمة؟ وما هو معدل الجرائم خلال العشرين عاماً الأخيرة ومساراتها؟ وهل هي في صعود يبرّر فرض هذا الإجراء الشمولي؟ ومن هي الجهات المسئولة عن صعودها؟ وهل أفادت الكاميرات في تحقيق العدالة ومحاسبة من قاموا بتدمير وسرقة محلات تجارية في وضح النهار؟
من المفهوم أن يبادر كل صاحب سكنٍ إلى تركيب كاميرا أمنية لمراقبة منزله، لكن من غير المفهوم أن يُفرض ربطها بأجهزة وزارة الداخلية، وهل هناك نص دستوري يبيح ذلك؟ وإذا كان الهدف مراقبة الحركة المرورية، وتتبع السلوكيات المرورية الخاطئة، فالكاميرات المنزلية لا علاقة لها بالموضوع، لا من بعيد ولا من قريب، وخصوصاً مخالفات السرعة وتجاوزات الإشارة الحمراء أو المربع الأصفر.
كانت هناك حلول واقتراحات سبق أن طرحها العديد من الزملاء والمتصلين بالإذاعة، بشأن تعديل أنظمة إشارات المرور، حيث يتسبب النظام الحالي في حدوث إرباكات للسواق ووقوع الحوادث، وخصوصاً لقصر فترة التحوّل من اللون الأخضر للأحمر. وكتبنا كما كتب غيرنا بشأن إعادة برمجتها بحيث ترسل إشارات تنبيه متقطعة لفترة كافية، أو تركيب أرقام تتيح للسائق تقدير التوقف في اللحظة المناسبة (وهي موجودةٌ في دول الخليج الشقيقة). لكن الإدارة العامة للمرور لم تكترث بهذه الاقتراحات التي من شأنها المساهمة في تقليل الحوادث وحفظ أرواح الناس. وبدل ذلك فكّرت في زيادة أعداد الكاميرات وما يرافقها من حملة ترهيبية تنشر المزيد من الخوف والارتباك لدى السوّاق.
مادامت الإدارة تتكلم عن حركة المرور، نقترح مجدداً مراجعة أوضاع الإشارات الضوئية في العديد من الشوارع والتقاطعات، كدوار القدم أو تقاطع الصالحية/ البلاد القديم، أو شارع الخارطة، ومدخل سلماباد/ مدينة عيسى. فنظام الإشارة لا يساعد على انسيابية الحركة، ويتسبب في زيادة الاختناقات، ووقوع الحوادث وإزهاق الأرواح.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/06/13