البحرين إذ تصر على الانتحار!
خليل حرب ..
مولود في البحرين قبل استقلالها بسنوات طويلة. ومع ذلك فإن، من صار ملكا بعد أبيه، يجيز لنفسه أن يخلع الجنسية عن صاحبها الأصيل. الملك ذاته، أخذ العرش مقابل وعد لم يَفِ به، بأن تكون مملكة دستورية، لكنه اختار استئثارا كاملا بالحكم.
لا تختلف ظاهرة الملك البحريني عن غالبية الأنظمة العربية الحاكمة، لكن ما يميز حكم آل خليفة، المعزز بجسر الملك فهد من الأراضي السعودية، أنه محصن بشكل فاقع، بالحاضنة الملكية السعودية، والأسطول الخامس الأميركي.
ولهذا، فإن اعتصام بلدة الدراز، قد لا يظل حدثا عابرا غدا، فالسلطة تمادت في انتهاك قواعد لعبة المواجهة مرة تلو الأخرى. صحيح أن القتل وقع، وأن التنكيل شاع، وأن الافتراء عم، وأن التكفير تمدد، وأن القهر ساد، لكن ما جرى في الأسبوعين الأخيرين، وتتويجهما بنزع الجنسية عن الشيخ عيسى القاسم، وبالتالي طرده من بلاده، قد يعني انجرار البحرين إلى ما لا تحمد عقباه.
ولا يمكن إغفال أن سلسلة الإجراءات التصعيدية التي قامت بها سلطة آل خليفة جاءت بعد الزيارة النادرة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنامة قبل أسابيع قليلة. كانت قد سبقتها إعادة حبس المناضل السياسي إبراهيم الشريف. ومنذ مغادرة الوزير الأميركي واكتفائه بالقول في المنامة «كما في كل الدول، نعتقد أن احترام حقوق الإنسان أمر أساسي»، لم توفر السلطة عقوبة إلا واستخدمتها.
أغلقت مقر جمعية الوفاق، صوت الاعتدال في البحرين، مددت سنوات حبس الأمين العام الشيخ علي سلمان، أعادت اعتقال الحقوقي نبيل رجب، بينما اضطرت الناشطة زينب الخواجة لمغادرة بلادها خوفا على سلامتها، وأمرت بسجن وإسقاط الجنسية عن ثمانية مواطنين لاتهامهم بتأسيس وجمع أموال لجماعة «إرهابية»، وأيدت محكمة حكم السجن عشر سنوات والتجريد من الجنسية الصادر بحق المصور سيد أحمد الموسوي، وتوقيف المدون علي المعراج من دون مذكرة اعتقال، بعد شهر من الإفراج عنه.
ومع ذلك، فإن كيري ليس قلقا، وبالمناسبة بان كي مون ليس قلقا أيضا، وهو منشغل باحتواء تداعيات فضيحة رفع «التحالف» عن لائحة منتهكي حياة أطفال اليمن. ولهذا، لن تُعقَد لجنةٌ لـ «أصدقاء البحرين» ولا «جنيف بحريني» ولا مقررات «فيينا بحرينية» ولن يُعَيَّن دي ميستورا سوريًّا، ولن يخرج وزير المملكة الجارة عادل الجبير ليخير حمد بن عيسى بين التنحي عن الحكم، أو الخروج بقوة السلاح.
ملك الفرص الضائعة، هكذا هو دأبه منذ أن وعد فأخلف بإصلاح للتحول من إمارة إلى مملكة. ملك الفرص الضائعة، يطير البرلمان وتجهض جلسات الحوار، وتعلو منابر التكفيريين والمحرضين مذهبيا، لكنه يخلع الجنسية عن المرجع الأعلى لطائفة أساسية. ملك الفرص الضائعة يجلب المواطنين الجدد للتجنيس من باكستان وبنغلادش والأردن وسوريا وغيرها، ثم تفاجئه المعارضة فلا تطالب برأس الملك، وإنما تطرح مطلب الملكية الدستورية، ثم تدين كل عمل عنفي بلا لبس، ولا ترضى بعلم وطني سوى علم البحرين في أي تحرك في الشارع.
أما من عاقل في دوائر القصر الملكي؟ عاقل واحد يجنب بلدا عربيا آخر التهلكة.
صحيفة السفير اللبنانية
أضيف بتاريخ :2016/06/22