داعش.. المكينة بعثية.. والبودي سلفي جهادي!
محمد الساعد ..
بالأمس القريب أسقطوا حضن الوطن، وها هم اليوم يسقطون حضن الأم.. قبل سنوات لم يكن يصدق أحد منا كيف أن أبناءنا وإخواننا الذين أكلنا وشربنا ولعبنا معهم، في نفس الشوارع والحارات والمدن، هم من يفجرون مكة والمدينة والرياض وجدة وينبع والطائف والخبر، يقتلون وينحرون ويغدرون أبناء عمومتهم من رجال الأمن والمواطنين.
اليوم ومن هول الفاجعة، يكاد لا يصدق الضمير الجمعي، أن مراهقا استل خنجره ليقتل والدته الستينية المنهكة بالوجع وتعب السنين.
السؤال المهم: هل وصلت جريمة التوأمين الداعشيين إلى أقصى درجات الغضب عند السعوديين.. في نظري إنها لامست الحزن وكثيرا من الصدمة، لكنها لم تتحول لغضب مجتمعي عارم بعد، يستأصل الفكر، ويسقط دعاته، وعرابيه، والمنافحين السريين عنه.
لنتذكر حادثة حريق مدرسة مكة المكرمة العام 2003، تلك الحادثة التي راح ضحيتها أكثر من 14 فتاة صغيرة، هي مثال لوصول الغضب المجتمعي إلى ذروته، أدت نتائجه إلى تغييرات هائلة في البنية الاجتماعية والتعليمية لاحقا.
بقيت الأسرة في السعودية لوقت قريب، الملاذ الأخير الذي لم تخترقه الجماعات المتطرفة، لكنه كان تحصيل حاصل، فهدم الولاء للوطن والدولة، وتكفير المخالف، وتقسيم الناس إلى فسطاطين للكفر والإيمان، كان بالضرورة سينتهي إلى الأب والأم.
الخطاب الديني للسرورية الصحوية، ومن قبلها القطبية، اختطف الشباب من أحضان أمهاتهم وآبائهم ومجتمعهم الأكبر - الوطن - ، من خلال غرس مفهوم الولاء والبراء، ودفع بهم إلى أقصى درجات الانحراف والقسوة والتجرد من الفطرة السليمة.
فعقيدة الولاء والبراء، التي تؤمن بحتمية كفر المجتمع المخالف، قطبية المنشأ سرورية الترويج والانتشار، تبدأ أدبياتها من هجر المخالف، ثم تفسيقه، وتكفيره، واستحلال دمه، وأخيرا قتله.
ولعلنا نتذكر كيف أن موضة «الصحوة» دفعت بالكثير لتكوين مجتمعهم الخاص، حظي المنتمون له بالدعم والتجاوز عن الأخطاء والتصعيد والتمكين، وفي المقابل تلقى المنتمون للفسطاط الآخر، الهجر والتعنيف والغلظة.
اليوم انتقلت تلك الأفكار والفتاوى المتطرفة، من أفواه الغلاة، إلى أيدي أجهزة مخابرات غاية في المكر والخداع، طوعتها لتكون أدوات قتل وترويع وهدم للدول.
عند تشكيل داعش، كتنظيم إرهابي جديد خلال العام 2012 - 2013، كانت «قاعدة الجهاد» في العراق والشام، هي المكنة التي استطاعت مخابرات معادية تحتضن المئات من فلول حزب البعث، بالمشاركة مع ما تبقى من البعث في العراق، ترويضها وتحويلها إلى عربة، يمكن العودة بها لحكم العراق، وثانيا توجيه جزء من نشاطها لتهديد وضرب السعودية والأردن ومصر.
الكثير لا يعرف أن المكنة التي تدير هذه الحرب العبثية، هي شركة «بعثية إخوانية» بامتياز، من خلال ضباط وفدائيي صدام، أعطيت للتغرير بالشباب مظهر السلفية الجهادية، وبدعم من فلول القاعدة والقطبيين والإخوان وقوى إقليمية.
أيها السادة، لقد هرب المراهقون والسيدات والشباب، من أحضان أسرهم ووطنهم، إلى أحضان - داعش - فكرا وفعلا، وها هم يعودون، بالأحزمة الناسفة، والاغتيال، والغدر، بالسواطير والسكاكين والمسدسات.
بعد ذلك.. هل من الممكن السكوت عن كل الدمار الذي صنعه أولئك الغلاة والمتطرفون، في وطننا ومجتمعنا وأسرنا، لقد كانوا وما زالوا، هم من يجهز المناخ العام ويملؤونه كراهية واستعداء، عن سبق ترصد وتصميم.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/06/27