آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إدريس الدريس
عن الكاتب :
كاتب ومستشار إعلامي - مقدم برنامج الإسبوع في ساعة على روتانا خليجية

نواقض السرور عند إدارة المرور


إدريس الدريس ..

جربنا الكثير من الأنظمة المرورية وما زال الوضع يزداد سوءاً، فلماذا لا نستقدم من بعض الدول الأوروبية الخبرات التي تنقل إلينا تجاربهم الناضجة

يُعد قطاع المرور في المملكة العربية السعودية من أكثر الأجهزة أصالة ورسوخاً، فكل ما حوله وحولنا ينمو ويتطور ويتشكل ويتغير وينقص ثم يزيد إلا جهاز المرور فهو الثابت الذي لا يتغير ولا يتطور، وقد ينقص لكنه لا ينمو والمرور هم أكثر المطبقين لعبارة "الله لا يغير علينا"، وبالفعل بقي المرور في الميدان كما كان في نشأته الأولى رغم اتساع شبكات الطرق ورغم الازدياد المهول في السيارات التي تغمر الشوارع.

وجهاز المرور من أكثر الأجهزة التي تخضع للواسطة ولمزاج الأفراد والعسكر الذين يميلون – عشائرياً – إلى نظام الفزعة وحب الخشوم وداخل على الله ثم عليك، مما يقتضي العفو والصفح عن مخالفي نظام وأخلاقيات قيادة السيارة، ولهذا يرتفع معدل المخالفات على الأفراد لأنهم يلمسون حجم العطف والحنو الذي يسبغه رجال المرور على المخالفين الذين يهددون حياة الناس وسلامتهم من خلال قيادتهم المتهورة والمجنونة، هذه القيادة التي لا تمت إلى نظام المرور بصلة.

آخر أخبار إدارة المرور الطريفة والمحزنة في نفس الوقت هو الإعلان عن نيتهم سحب رخصة القيادة لمن تجاوزت مخالفاتهم المرورية 50 مخالفة.

أوووف يالله 50 مخالفة هل الأمر يقتضي الوصول إلى هذا الحد من المخالفات ليتم سحب الرخصة؟! ما عليك إلا أن تتخيل أنواع المخالفات بين سرعة وتهور وقطع إشارة والسير بعكس الاتجاه والوقوف الخاطئ وإعاقة الحركة والانشغال باستخدام الهاتف النقال أثناء القيادة وعدم ربط حزام الأمان، ثم تخيل انعكاس هذه المخالفات وتهديدها لحياة البشر.

ولك أن تعلم أن كل هذه المخالفات المتتابعة والخطيرة يمكن أن تتسبب في سحب الرخصة في حال وصولها إلى الرقم 50.

هذا مع أن المرور يعلم بلا شك كما نعلم أن رخصة القيادة ليست حصانة ورادع عن ارتكاب المخالفات، خاصة إذا علمنا – وكلنا نعلم – أن نسبة كبيرة يسوقون سياراتهم بلا رخصة، وهم في الأغلب من فئة الشباب والمراهقين أو من السائقين الوافدين ممن هم لا يزالون تحت التدريب.

كل شيء عندنا ينمو ويتطور إلا القيادة في شوارعنا، والتي تعج بالمخالفات من كل نوع، وللأمانة فإن مخالفة نظام السير صارت هي الخيار الأسلم في شوارعنا التي تشبه حارة "كل من إيده إلوه "، وإذا لم تتفرعن في شوارعنا وتصارع وتشاكس من حولك وتتجه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ثم بالعكس ثم الانتقال من حارة إلى حارة وتستمر في التجاوز والزورقة بين السيارات فإنك لن تصل إلى بغيتك، ويحدث كل هذا الاختراق وكسر قانون المرور لا لشيء إلا لأن رجال المرور عندنا كما يبدو أقل من حجم الشوارع، ومن كم السيارات، وليس لديهم القدرة على مباشرة ورصد المخالفات الشائعة، لأن الكثرة تغلب الشجاعة، بل إن كثيرا مما ذكرت يحدث أمام رجل المرور في سيارته دون أن يحرك قائدها ساكناً لأن الشق أكبر من الرقعة، ولأن الفوضى المرورية تضرب أطنابها في شوارعنا بما لا قدرة لرجل المرور على مواجهتها، ومرد كل ذلك إلى ضعف الحزم وانتشار المحسوبية والواسطة وضعف آلية تطبيق العقوبات إلا فقط فيما يخص "ساهر".

إن كوارث الحوادث التي تقع يومياً وتتكلف الأرواح وتسبب العاهات والإعاقات تقتضي من مرورنا الساهر قدراً أكبر من الحزم وصرامة أكثر في انضباط رجاله في الميدان، وفي تطبيقهم للعقوبات الرادعة، وإذا كنا قد جربنا خلال سنوات الكثير من الأنظمة المرورية ومازال الوضع يزداد سوءاً فإن الحال يقتضي بالتالي أن نستعين بتجارب الدول المتقدمة، وأن نستقدم من بعض الدول الأوروبية الخبرات التي تنقل إلينا تجاربهم الناضجة، وأن نتولى تطبيقها بحذافيرها، فلعلنا بعد ذلك نتحول إلى مرحلة السرور عندما نقود سياراتنا بانضباط وأمان، وبما يكفل التقليل من قتلانا الذين تسيل دماؤهم بالمجان في شوارعنا التي تعج بالفوضى على النحو الذي جعلنا في مقدمة الدول التي لديها أرقام قياسية في ضحايا الحوادث المرورية.
صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/06/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد