آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ناصر قنديل
عن الكاتب :
كاتب وإعلامي لبناني

قمة بغداد مشروع ماذا؟

 ناصر قنديل

– ربما يكون أسهل الأوصاف لقمة بغداد تشبيهها بحلف بغداد الذي أقامه الأميركيون في مرحلة صعودهم السياسي والعسكري على مسرح المنطقة لمواجهة المدّ الوطني الذي أطلقه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، طالما انّ منظميها والمشاركين فيها باستثناء إيران توافقوا على استبعاد سورية عن الحضور، لكن هذا التوصيف لا يستقيم مع ثلاثة عناصر رافقت القمة، الأول هو دعوة إيران، والتي بدون دعوتها ربما فقدت القمة بريقها وجاذبية المشاركة فيها بالنسبة للكثيرين من الذين لبّوا الدعوة، والثاني غياب مشروع أميركي صاعد قادر على بلورة مهمة محددة بجدول أعمال واضح لهذا الحلف، في زمن تعيش عبره المنطقة تداعيات الهروب الأميركي من أفغانستان، وتعجز واشنطن عن استعادة الوحدة بين حلفائها الذين جمعتهم خلال السنوات الأولى للحرب على سورية، يوم كان لديها مشروع وجدول أعمال، والثالث فشل القمة في بحث أي ملف جدي والخروج بأيّ موقف مشترك له قيمة وحصر جدول أعمالها بالكلمات الافتتاحية الإنشائية للمشاركين، وفتح بعض القنوات الثنائية للحوارات بين بعض من المتخاصمين، الذين ينتمي أغلبهم إلى منظومة العلاقات بواشنطن.

– الأكيد أنّ غياب سورية أفقد القمة فرصة ان تتحوّل الى قمة منتجة، فالملفات التي تستدعي الشراكة والتعاون، وهذا هو شعار القمة، هي ملفات الحرب مع تنظيم داعش، ومصير القوات الأميركية في مناطق التوتر بعد الانسحاب من أفغانستان، ومستقبل التعاون في قطاع الطاقة عبر شبكات الربط الكهربائي وأنابيب النفط والغاز، وفتح صفحة مصالحات تاريخية بين قادة ودول المنطقة، وهي ملفات لا يمكن مناقشتها بجدية دون مشاركة سورية كطرف رئيسي حاسم في كل من هذه الملفات، والأكيد أنّ مشاركة إيران لم تتجاوز العنوان البروتوكولي، بغياب سورية، لإدراكها أن تغييب سورية مكابرة وإنكار للحقائق، ومحاولة تجاهل وتجاوز لمكانتها الرئيسية والحاسمة تلبية لطلبات إقليمية ودولية لا تزال عاجزة عن تحمّل تبعات الإعتراف بفشلها في الحرب على سورية، ويستهدف بالتالي حرمان إيران من حضور حليفها الرئيسي في القمة لإضعاف قوة النهج المشترك الذي تلتقي عليه الدولتان، ولذلك لم يكن ممكناً للقمة ان تتحوّل إلى قمة حوار عربي تركي إيراني، بغياب سورية، لأنّ إيران لن تنفتح على الملفات الحقيقية لهذا الحوار دون سورية، وأغلب الملفات في هذا الخلاف سورية، وتجب مناقشتها بحضور سوري فاعل.

– كانت القمة فرصة بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وما يطرحه من تحديات على المنطقة وحكوماتها، للتحوّل الى نواة تأسيسية لنظام إقليمي جديد يدير الفراغ الناشئ عن التراجع الأميركي الإستراتيجي في المنطقة والعالم، لو تمّ التخلي عن العنجهية التي تحكم مواقف بعض الأطراف الدولية والإقليمية التي ربطت بغداد نجاح القمة بحضورها، والدعوات لحضور القمة بشروطها، لذلك لا يمكن توصيف القمة بغياب حضور أميركي فاعل، الا بالون إختبار استعملت بغداد وباريس لإطلاقه، مقابل توظيف القمة إعلامياً كإنجاز لرئيس الحكومة العراقي قبيل نهاية ولايته مع الانتخابات النيابية بعد شهر ونصف الشهر، وتقديمها كمنصة في الحملة الإنتخابية للرئيس الفرنسي الذي يحصد فشلاً تلو الفشل في السياسات الدولية، بعد خيبات أفغانستان ومالي ولبنان، وبالون الإختبار يهدف لاستكشاف حدود دنيا لبدء التفاوض الإقليمي بين حلفاء واشنطن من جهة وإيران من جهة مقابلة، بالتوازي مع التحضير لاستئناف مفاوضات فيينا، وقد جاء الجواب على هذا الحدّ الأدنى المعروض واضحاً وحازماً عبر كلمة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بإطلاق عناوين واضحة، لا استقرار دون الخروج الأميركي من المنطقة ووقف الرهانات على التدخلات الأميركية في رسم سياسات حكومات دول المنطقة، ودون الاعتراف بنصر سورية ومكانتها وحضورها الوازن في أيّ معادلة إقليمية، ودون العودة لمعادلة فلسطين القضية المركزية لشعوب المنطقة ودولها، ودون التعاون الجدي في الحرب على الإرهاب وثقافة الإرهاب والتطرف والتعصب، ودون حلّ الملفات الخلافية بالحوار والتعاون والمصالحات بعيداً عن التدخلات الأجنبية.

– ستلي القمة محاولات مشابهة حتى يصل الأميركي للتسليم باستحالة تفادي مصير مشابه لما جرى في أفغانستان، دون التسليم بالخروج من المنطقة دون أي مقابل خصوصاً الطلبات الأميركية لضمانات لأمن كيان الاحتلال، والتسليم بأنّ معادلة جديدة في المنطقة رسمها محور المقاومة وفي طليعته مكانة سورية المتجددة، كعنوان للدولة الوطنية المستقلة، وأنّ الدول التي شاركت في الحروب الأميركية لا تستطيع أن تطلب أكثر من ضمانات لعدم تدفيعها فواتير مشاركتها في هذه الحروب، ما يعني تسليم هذه الدول بوقف تورّطها في حرب اليمن وحرب سورية ومحاولات التدخل في شؤون العراق، دون أن تطلب أثماناً وتعويضات مقابل الانسحاب مما تورّطت به، لأنّ عليها الاكتفاء بعدم محاسبتها عما تسبّبت به من خراب، وليس أكيداً ان يصل الأميركي وجماعاته إلى التسليم بالشروط الموضوعية اللازمة لتشكيل نظام إقليمي جديد، قبل الانهيار الكبير الأشدّ قسوة من انهيار أفغانستان، لكن الأكيد أنّ الانتخابات العراقية المقبلة ستشكل الإختبار الرئيسي الذي سيبني التوازن السياسي الجديد بين المحورين المتقابلين في المنطقة، والواقفين على ضفاف الاستحقاق الانتخابي.

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2021/08/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد