انهيار الاقتصاد السعودي وإفلاس خزينة الدولة
سلطان كليب ..
يعتبر النفط من النِعم التي أنعم الله بها على دول الخليج ،وهو مالٌ متدفق بلا انقطاع ولا مجهود ،وقد حقق النفط نقلة اجتماعية سريعة لحياة المجتمع الخليجي وبقية الدول المنتجة للنفط في العالم،ولكنه لم يحقق نقلة نوعية.
عادةً الدول تنهض باقتصادها بلا موارد ثابتة كالثروات الطبيعية والمعدنية ،وتحقق نمواً سريعاً من خلال ثروة العقول والتحول إلى الصناعة التي تعتبر كنزاً يعادل الثروات النفطية، والمعدنية ،وحققت تلك الدول نمواً حضارياً موازياً للنمو الاقتصادي ،وقوة عسكرية تحافظ على قوتها الصناعية والحضارية،عكس الدول التي تتدفق عليها المليارات ليل نهار دون جهدٍ يُذكر .
الأصل بدول الخليج أنها سعت إلى خطٍّ موازٍ للنمو الاقتصادي من النفط من خلال نمو اقتصادي صناعي ،وتتحول من دول مستوردة إلى دولٍ منتجةٍ وموردة ،لأنها الأصل أن تملك رؤيا إستراتيجية وتفكر بأن الثورة الصناعية والعلمية المتسارعة القادرة على الاستغناء عن النفط من خلال توفر مصادر الطاقة البديلة من الطاقة الشمسية، أو الرياح، أو تحويل المياه إلى طاقة وبدأ العمل على ذلك .
من المشكلات التي تعاني منها الأنظمة العربية أن مصلحة الشعوب آخر همها ، فهي منغمسة في الترف والرفاهية ،واعتمدت في قوتها أن الدول الحليفة هي من تحمي أمنها ونظامها ،وتتكفل بوجودها ،وبالتالي فإن الرئيس همّة الحاشية وكبار رجل الدولة في الإنفاق عليهم بسخاء منقطع النظير، فهم المرجعية المنتفعة التي لا تقول لا ولا تقول الحقيقة ،ولا يهمها إلا نفسها ومصالحها لا تختلف عن تفكير رئيس الدولة .
لذلك لم تستوعب دول الخليج من التقلبات السياسية عبر العصور، وكيف يتحول الحلفاء إلى أعداء ،والأعداء إلى أصدقاء،علماً أن النظام السعودي والخليجي هو النظام الذي أبصر النور منذ دولة الخلافة العثمانية قبل سقوطها ، مروراً ببريطانيا العظمى لليوم ،التي اسقطت عشرات العروش والسعودية على اطلاع تام بذلك .
أي مواطن ذو بصيرة يدرك من سنوات أن السعودية تتعرض لمؤامرة غربية كما تعرضت مصر، وسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن ، والمؤامرة كانت ولا زالت تمر بمراحل كثيرة ولكن نهايتها والهدف منها إسقاط نظام آل سعود الحليف البريطاني الأمريكي المخلص منذ التأسيس لليوم لأن دورهم الوظيفي انتهى،فهم كانوا مرحلة لتأسيس شرق أوسط جديد أدوا دورهم بمهنية عالية ،والمنطقة تحتاج لدور وظيفي من مخلصين جدد أكثر علمانية ومقدرة على أداء الأدوار .
الحرب على السعودية التي لم يدركها النظام السعودي، ولا المستشارين الذين يكلفون خزينة الدولة المليارات، ولا الحكومة أو مجلس الشورى الذي لا شورى له ،بدأت منذ التدخل السعودي في الحرب بأفغانستان عندما زجت السعودية بالآلاف من المجاهدين حسب فتوى مشايخ ذلك الزمان للقتال ضد النظام الشيوعي الروسي دعماً لحليفتهم أمريكا ،وموّلت هؤلاء بالمال والسلاح، ولا اعتقد أن ذلك يخفى على أحد ..وبعد الاندحار السوفياتي تحول هؤلاء إلى كفرة وإرهابيين وتم الزج بهم في السجون وطلب منهم إعلان التوبة تكفيرا لجهادهم ضد الروس الكفرة سابقا،والأمريكان المؤمنين الحلفاء لاحقا .
الحرب الثانية التي شنتها الولايات المتحدة على السعودية برغبةٍ منها وإصرار وعناد على باطل هو إصرارها على انخفاض أسعار النفط لأسباب سياسية كثيرة منها الحرب على داعش ،والأضرار بالاقتصاد الإيراني المحاصر ، لكن الخاسر الأكبر من تهاوي أسعار النفط هي السعودية التي بلغ إنتاجها عشرة ملايين برميل من النفط يوميا ،وهذا كان يرفد خزينة الدولة يوميا بمبلغ 2 مليار دولار أي ما يعادل 60 مليار شهريا ، أو 750 مليار سنويا .
تهاوي أسعار النفط أثر على الاقتصاد السعودي ،وبالتالي البورصة السعودية تعرّضت أكثر من مرة لخسائر متكررة، كما تعرضت بورصة النيويورك لنفس الخسائر وخسرت المليارات وانهارت وانهار الاقتصاد الأمريكي لكن السعودية كانت أكثر كرماً وسخّرت كل أموالها لدعم الاقتصاد الأمريكي ومنعه من الانهيار، وأكثر من مرة تعرضت البورصة السعودية للإنهيار وخرج كثير من رجال الأعمال وبعض الشركات عن العمل،ولا زال اقتصاد البورصة السعودية لم يتعافى لليوم .
كذلك من الوسائل التي لم تنتبه لها السعودية أو انتبهت لها وتغافلت عنها أنها استغلت من قبل أمريكا كحليف استراتيجي في الحرب على الإرهاب وقد تحمّلت نفقات الحرب السورية، ودعم الثورة منذ اندلاعها لليوم، وأصبح من المستحيل أن تخرج من هذه الورطة لأن دخولها على الخط السوري زاد العداء بينها وبين إيران التي أصبحت تشكل خطرا على الأمن السعودي مستقبلا لو بقي الأسد بالحكم فيصبح النظام الإيراني قوة حقيقة من طهران مرورا ببغداد إلى دمشق وهذا سيكلفها المليارات ولا أمل للخروج أو الانسحاب .
وقد استطاعت أمريكا أن تورط النظام في حرب اليمن، واعتقدت أنها نزهة سهلة ستسقط نظام علي صالح وتتخلص من الحوثيين بضربات جراحية وتنهي الوجود الحوثي، وكان أملها أن حليفتها أمريكا ستكون معولا يساعدها على اجتثاث الحوثيين، كما كان أملها باجتثاث نظام الأسد، وما علمت أن أمريكا ورطتها في سوريا واليمن استعدادا لمواجهة قادمة ولو بعد سنوات مع إيران حربا لن تبقي ولن تذر .
الاقتصاد السعودي في الإنعاش والدولة التي كان دخلها خلال شهر (60مليار) يغطي أي عجز لأكبر دولة في العالم أصبحت شبه مفلسة ،وها هي حليفتها أمريكا تتهمها بالإرهاب ،نعم الإرهاب لأنها دفعت بخيرة شبابها لقتال الروس، ودفعت أموالها ثمن كل رصاصة قتلت روسي كي تذل روسيا وتتقوى عليها أمريكا لتقول إنها منبع الإرهاب الوهابي، والممول للإرهاب ،نعم هي صادقة لأنها على اطلاع تام ولديها الوثائق ، وهاهي تدفع ثمن تمويلها للإرهاب بالحجز على ما تبقى من أموالها في العالم كتعويضات لضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
أن تقوم السعودية برفع أسعار الكهرباء والماء ،وتخفيض رواتب كبار رجال الدولة من 15-20% ،ورفع أسعار بعض السلع ،وزيادة الضرائب ،أو إعلان سياسة التقشف ،ورفع رسوم الحج والعمرة وأي تفكير مهما فكرت به الدولة لن يحل مشكلة تهاوي الاقتصاد السعودي .
حتى المشاريع التي طرحها ولي ولي العهد من خلال الصندوق الاستثماري بـ 2 ترليون لن تجدي نفعا للدولة، لأن هذا يجب أن يكون عندما كانت الدولة في أوج قوتها الاقتصادية ..ومن أين سيأتون بهذا المبلغ خلال 30 سنة، وهل هم أصلا ضامنون لحكمهم خمس سنوات في ظل التصريحات الأمريكية، والإيرانية، واشتعال المنطقة بالحروب ،لكن ربما النفع سيعود على الصهيونية العالمية التي تملك رأس المال العالمي وهي من ستشتري الأصول التي سيتم طرحها للإكتتاب ،أو تشتري أي شركات يتم خصخصتها ويتم طرحها للبيع ، وبالتالي يستولي اليهود على رأس المال المحجوز عليه كتعويضات لضحايا أحداث أيلول،وعلى رأس مال الأسهم والشركات وتصبح السعودية واقتصادها وترليوناتها في مهب الريح بيد اللوبي الصهيوني .
السعودية التي تستدين الآن وتتوسل لصندوق النقد الدولي كان بإمكانها أن تتجاوز كل ذلك وكان الحل بيدها من خلال تخفيض سقف الإنتاج حينها سيعود سعر النفط إلى وضعه الطبيعي ،وسنة واحدة من الإنتاج كفيلة أن تعوض كل خسائرها ولو وصل سعر البرميل إلى 100 دولار سيكون دخلها يوميا مليار بمعدل 30 مليار شهري لكن الله أعمى بصيرتهم عن الهداية لينفقوا أموالهم في سبيل الشيطان ثم تكون حسرة وندامة عليهم .
الخلاصة: الاقتصاد السعودي لن يتعافى،والنفط لن يعود للأسعار الخيالية التي مر بها فأعلى سقف له سيصل إلى ال 60 دولار من أجل الحفاظ على أسعار النفط الأمريكي ولكنه سيبقى بين الثلاثين والخمسين دولار غالبا ، وإيران ستحارب الخليج بالنفط ولديها اكتفاء ذاتي وتعودت على الحصار وستزيد إنتاجها ما استطاعت ،أمريكا ستشدد الحصار على السعودية سياسيا واقتصاديا ،وربما تمنع عنها التزود بالسلاح، الصهيونية سوف تستغل أي اكتتاب وتقوم بالشراء وتهيمن على الاقتصاد السعودي ،البورصة السعودية ستستمر في التهاوي وأن تعافت قليلا ستضرب كل فترة بقوة وتنهار مع أي انهيار للبورصة العالمية ، مخزون السعودية من الذهب هو رصيد محفوظ لتحمله السيارات الأمريكية كما نقلت ذهب العراق وليبيا، وأقصى مدة لبقاء النظام السعودي حسب قراءة التصريحات الأمريكية وسخونتها أربع أو خمس سنوات .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/10/23