الجاني على نفسه..
د. طرفة عبدالرحمن ..
عندما تبرر لذاتك أخطاءك الكبيرة والصغيرة مع الآخرين ونفسك، فأنت في إحدى مراحل خداع الذات.. التسامح مع النفس وقبولها لا يعني أن تضلل نفسك بأفكار أو قناعات أو تبريرات غير حقيقية، لتبقى في دائرة السلام النفسي الداخلي.. يعمد إلى هذا النوع من التضليل الذاتي (المنهزمون نفسيا) الضعاف أمام المواقف الحياتية والظروف المتقلبة والمتغيرة؛ فهم يتفادون أن يضاف على مشكلتهم الخارجية والاجتماعية مع المحيطين بهم، حمل إضافي آخر قد يأتي من الداخل النفسي على شكل لوم أو تأنيب ضمير أو شعور بالانهزام، فيعمدون إلى تبرير عنفهم أو خطأهم على الآخرين بتعليق الخلل في الظروف أو الأشخاص وليس بهم..
هذا الأمر لا يقتصر على الشخصيات الانفعالية أو العنيفة أو المتمردة بشراسة، بل حتى الشخصيات الجبانة والضعيفة تعاني خداعا مع الذات، بتبرير خنوعها أمام الآخرين ونفسها، بأسباب واهية.. وليست المشكلة في المبررات المضللة التي يخدع بها هؤلاء أنفسهم فقط، إنما في محاولة إلباس ضعفهم أو خللهم لباسا أخلاقيا أو قيميا، فمثلا هم يصفون خوفهم وعجزهم بالتروي، ويفسرون صمتهم وطواعيتهم في المواقف المهينة بالأدب والحلم.. هم في نهاية المطاف يحاولون تجميل ذواتهم حتى يتصالحوا معها، والمشكلة أن قبحها يزداد في نظر غيرهم كلما بدت هي جميلة في أعينهم.. إن خداع الذات وتخديرها بهكذا مبررات بصورة مستمرة قد ينتهي بنتائج كارثية تجعل الوعي الذاتي منفصلا تماما عن التفسيرات الحقيقية والمواقف، التي يمر بها «الجاني على نفسه».. فالإرهابي مثلا الذي فجر نفسه في الآمنين، بدأت قضيته المروعة بمجموعة أفكار وضلالات خدع بها نفسه، فحصيلة يأسه وفشله ونقمته وضعفه، أصبحت في لباس آخر أمام نفسه عندما قرر كسوتها ثوب الجهاد والتقوى والزهد في الحياة.. تنقلب كل المعطيات والتصورات عن الدنيا، والناس، والزمن، والحب، والكره، والمسؤولية، وغيرها، بحسب الوضع النفسي الذي يكون عليه الإنسان، لذلك يقبل البعض أن يخدع نفسه بطريقة ما عن ذلك الواقع وتلك المعطيات، إذا تملكه العجز وسوء التصرف معها.. التضليل الذاتي ليس فايروسا يصاب به الإنسان فجأة في حياته، إنما يتسرب من خلال برمجة العقل على القبول بالأمور كما يشتهيها صاحبها وليس كما هي بالفعل.. أيضا يصاب الفرد بهذا النوع من الخداع الذاتي عندما يكون لصيقا بأشخاص يعتنقون هذا المنهج من التضليل والتحايل على الذات فيصاب بعدوى التقليد منهم.. ونجد اختلاف المذاهب التضليلية في هذا الجانب، منهم مَنْ يستخدم الخط الديني وآخر الأخلاقي، وهناك مَنْ يمزج هذا كله بخليط عجيب مما سبق مع قضية العادات والتقاليد!!
جريدة اليوم
أضيف بتاريخ :2017/04/15