أزمة في المفاهيم الخليجية الموحدة!
محمد الجدعي
تعج العديد من وسائل التواصل الإعلامي في الخليج بتناقضات وتفاهات يندى لها الجبين، تدمع لها العين ويحتار فيها العاقل الفطين! السياسة فيها هي السائدة والبائدة، تحوي بجعبتها شتى صنوف السجالات والمهاترات والمجادلات السقيمة بين أبناء الجلدة الواحدة.. والذين هم في نهاية المطاف أصحاب مصير مشترك حتمي الوقوع.. إن استمروا بهذا اللغط والإسفاف منقطع النظير.
نعم أقولها بكل حسرة، وينتابني شعور في كل وهلة وأنا أراقب وأقرأ ما تتقاذفه التغريدات والتصريحات من هنا وهناك، والتي سينتج عنها حتماً شق إسفين في وسط مركبنا الخليجي الكبير. والمصيبة الأكبر في أغلب إعلامنا التقليدي، الذي ما فتئ ينشر تعقيبه وتضليله، ولا يكاد يمل ولا يكل من سرد الأكاذيب والأضاليل وكمن ينفخ في الكير.. بانسياق واضح ومريب لما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت بأيدي جزء كبير من مرتاديه إلى معول هدم بعد أن كانت في بداياتها.. وسيلة راقية لنشر الأفكار والتعليقات والمطالبة بالإصلاحات وتطوير الخدمات الحكومية المتردية.. مع كم رائع من النداءات الإنسانية النيرة.. ونشر الخير إن أمكن لمن استطاع لذلك سبيلا. قبل أن تتحول من قبل أصحاب الأحقاد والنفس الطائفي والعنصري المريض.. وبمنافسة شرسة مع أصحاب الأجندات المشبوهة والأهداف المرفوضة.. حتى تحولت هذه الوسيلة إلى ساحة حرب ضروس لا تبقي ولا تذر.. إلا ودمرته وسلبته كل مضامين الوحدة الجغرافية والتقارب المجتمعي.. والقيم الإسلامية والإنسانية الأصيلة.
أقوى ردة فعل قرأتها تعليقاً عن هذه الزوبعة والهالة الإعلامية العبثية والمشوهة في مفهوم الخصام لدى دول وشعوب الخليج، ذكرها زميلي المخضرم والمبدع حمود البغيلي في تغريدة له حين كتب «الفجور في الخصومة ظاهرة دخيلة على الخليج.. كارثة جديدة تعصف في الأطراف المختلفة، لا بد من وقف السفهاء والجهلاء وتقديم العقلاء أهل الحكمة والرأي!» رافضاً كحال أكثر العقلاء ومنهم من توارى خجلاً للأسف، أي إخلال بالمنظومة الخليجية، التي أسست على مبدأ وهدف واحد مشترك وهو الوحدة، يقابله مصير وتحد مشترك أمام الحاسدين والمتربصين بدول الخليج وشعوبها.. وهم من حولنا كثر.. فيا للأسف، ويا لغفلتنا نحن أبناء مجلس «التعاون» الخليجي!
وأخيراً، فإن كان لكل العرب ميزة وتفرد يجمعهم، وهي ميزة اللغة والدين، إلا أنهم متفرقون احادا، ضعاف أمام العالم بسبب فرقتهم، أقوياء على بعضهم وبشكل يدعو إلى الأسى. إلا أن دول الخليج العربي لها ميزة أكبر، إذ تجمعها اللغة والعادات وأواصر القربى ووشائج الرحم والنسب والحدود الجغرافية الواحدة، بل واللهجات المتقاربة والعائلات المتزاوجة، فكرهم واحد وهمهم واحد وطبائعهم واحدة! فعلام كل هذه الضجة.. ولماذا كل هذا التنافر في القول والتنابز بالألفاظ؟!
ختاماً، استذكرت شطري بيتين من قصيدة طويلة لشاعر العرب الأفوه الأودي «من عيون الشعر»، وهي تتحدث عن غياب الحكمة وطغيان الجهل.. حين قال:
كَيفَ الرَشادُ إِذا ما كُنتَ في نَفَرٍ
لَهُم عَنِ الرُشدِ أَغلالٌ وَأَقيادُ
أَعطَوا غُواتَهَمُ جَهلاً مَقادَتَهُم
فَكُلُّهُم في حِبالِ الغَيِّ مُنقاد
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2017/09/09