عن مسالة الأمن الاقتصادي في الوطن العربي
عزيز أشيبان
من النافل التذكير بأهمية الأمن الاقتصادي في منظومة الأمن القومي ككل، إذ أن كيان كل دولة يترسخ بهويتها الثقافية وأمنها الاقتصادي في عالم يحكمه قانون الغاب من قوة وشرعنة ومنافسة شرسة. ربما نحن شعوب الدول العربية ، كما هو عليه الحال بالنسبة للدول المسلوبة الحرية والمغلوب على أمرها، نعي أكثر أهمية وحساسية مسألة الأمن الاقتصادي سواء على مستوى الفرد أو المجموعة ككل.
يتحقق الأمن الاقتصادي بتحقق الأمن الغذائي وقدرة البلد على إشباع حاجاته الغذائية من خلال الاعتماد الكلي على المنتوج المحلي وعدم اللجوء كرها إلى الاستيراد. غير أن واقعنا العربي يبقى بعيدا عن تحقيق هذه المعادلة المفصلية بسبب فشل السياسات التنموية وتدخل القوى الاستعمارية للحيلولة دون تحقق هذا الطموح المشروع الضامن لكرامة المواطن وعزة البلد.
غني عن البيان القول بان الحديث عن الأمن الغذائي يفرض كذلك التدبر في مسالة الأمن المائي لندرة الماء في المنطقة العربية وغياب سياسة مائية مستقبلية واحتدام الصراع في مناطق مختلفة حول منابعه خصوصا مع الكيان الصهيوني. بقليل من التمعن يبدو أن الأمن المائي هو مفتاح ولوج الأمن الاقتصادي إن لم يكن أساس وجوده.
هناك ومما لا شك فيه علاقة تلازم بين الأمن الغذائي والأمن المائي ومجموعة من الثوابت البنيوية والمترابطة. في الواقع، يستوجب توفر بيئة ثقافية سوسيو اقتصادية تحفز المبادرة الفردية وتشجع الاستثمار سواء المحلي أو الأجنبي من خلال توزيع عادل للثروات وسيادة منطق المنافسة الحرة والشريفة، وجود إدارة مرنة وفعالة، سيادة قيم الكد والعمل والمواطنة الفعلية، ممارسة المجتمع المدني لوظيفته المراقباتية لأداء السلطة التنفيذية، وتوفر رؤية تشاركية مستقبلية لدى المجموعة ينخرط فيها الجميع وتفتح الأفق أمام كل الأفراد لتحصيل الانجازات الفردية والجماعية على حد سواء.
توفر هذه العناصر ينتج حركية اقتصادية قادرة على خلق الثروة واستدامة النمو الاقتصادي وخلق مناصب الشغل والرفع من سقف الطموحات بكل عقلانية.
لكن، هل يمكن إسقاط هذه العناصر المفصلية على واقع أمننا الاقتصادي العربي؟
ربما لن يتردد أكثرنا تفاؤلا في الإجابة بالنفي.
على مستوى الفرد الواحد، تتميز بنياتنا الفكرية بالجمود والخمول والسلبية مثلما تعاني نفسية المواطن العربي من اليأس والانهزامية. يفضل معظمنا تحصيل دخل قار وثابت على المبادرة الحرة بداعي ضمان الاستقرار بقدر ما هناك من يستفيد من ريع دون الإقدام على أي مجهود. وضع مفلس كهذا لن يطلق العنان إلا لنزعات الأنانية والفردانية والانتهازية، ليس هناك إحساس بالانتماء الفعلي للمجموعة التي يتم تقزيم كيانها في شكل غنيمة وجب الاستفراد بها.
على مستوى الجماعة، نفتقر لرؤية مستقبلية لتحقيق التنمية والرقي بمجتمعاتنا، و نكابد تحت وصاية المنظمات الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) والدول المستعمرة التقليدية التي تتدخل في كل شؤوننا الداخلية عبر لغم الديون ومسلسل إعادة جدولتها الغير منتهي. فيظل الاقتصاد المحلي مرتكزا على القروض والإعانات الدولية، فلا غرابة إذن أن تظل اقتصادياتنا هامشية في خدمة اقتصاديات دول المركز.
من جهة أخرى ترضخ الإدارة لقانون العصبية القبلية وفكر الزاوية والفساد الذي ينخر نواتها الصلبة من محسوبية و زبونية فتشكل بذلك الإدارة اكبر عائق لانبعاث روح الحركية داخل المجموعة واكبر تجلي للركود والرتابة التي تطبع نمط حياتنا اليومي.
ما يزيد الطين بلة هو وجود بنيات اقتصادية من شركات ووحدات اقتصادية قائمة على الاحتكار وتحارب تعدد الفاعلين الاقتصاديين لتبعيتها للحاكم ومحيطه أو قيامها على أساس بنية العائلة.
تظل مسألة الأمن الاقتصادي طموحا لدى الشعوب العربية المتعطشة لرؤية بصيص أمل في التغيير، غير أن هذا الطموح بات كابوسا للحكومات وأصحاب القرار، فهل من أمل؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/18