السعودية بعد ثلاث سنوات من حرب عبثية في اليمن: لم تؤمن حدودها ولا حتى عاصمتها
سليمان حاج إبراهيم
إعلان السعودية قبل أزيد من ثلاث سنوات وهي تعبر بطائراتها حدودها، وتخترق أجواء وسماء اليمن، أنها تقود عاصفة للحزم ضد إيران، سميت لاحقا بعاصفة الأمل، يجعل حتى الآن من الحملة التي تقودها إلى جانب حليفتها الإمارات أداة وماكينة تصنع الدمار وتخلف الخراب لبلد يصنف شعبه في خانة أفقر شعوب الكون مع مزيد من الدمار للبنية التحية.
أزيد من ألف يوم مرت على أولى ضربات التحالف الذي تقوده المملكة، ضد أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والحوثيين، لكن لا تلوح حتى اللحظة أي مؤشرات في الأفق عن نهاية وشيكة للحرب.
كل المعطيات الميدانية تؤكد أن الأزمة تزداد تعقيدا، وحصيلة الضحايا ترتفع، وكلفة الحرب تتضاعف، وما تخلفه من دمار شامل تزداد رقعتها، والشعب اليمني يتجرع علقم المآسي التي لم يكن له فيها ذنب.
المتابعة المعمقة، والقراءة الدقيقة للوضع، تشي بشكل جلي وواضح، أنه ما من خطة بينة لإنهاء ما بدأته الرياض، وأبو ظبي، العاجزتان عن تحقيق الانتصار الكامل، أو الجزئي، أو حتى وضع حد لهذا الاستنزاف.
السعودية التي روجت لحربها، أنها استباقية لتطويق غريمتها إيران، وتحركها يهدف لدك حصون ما تسميه أداتها (أنصار الله الحوثي) لا تزال حتى الآن تدور في حلقة مفرغة، وعاجزة عن الدفاع عن حدودها جنوبا.
فشل السعودية في النيل من غرمائها لم يكن خيبتها الوحيدة، وتجاوز الأمر إلى عجز عن تأمين عاصمتها الرياض، التي أصبحت تدريجيا هدفا مفضلا لصواريخ تقليدية ترشق بها من حدودها الجنوبية.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي لبلاده، يشعر بالخيبة بعدما دفع بلاده إلى نقل مقر انعقاد القمة العربية التي استضافتها مؤخرا، من عاصمتها نحو الظهران، وهو مؤشر خطير يعكس المخاوف الجدية من قوة عدوه اللدود الحوثي، وداعمه، وتفادى يائسا التعرض لصفعة مدوية في حال استهدف صاروخ شارد ضيوف بلاده لو نظمت القمة في الرياض.
والاحتفاء السعودي المبالغ فيه باستهداف قيادي حوثي، يدعم بقوة القراءات التي تؤكد ورطتها في اليمن، وفشلها، وعدم قدرتها الخروج من المستنقع بأقل ضرر، وهو هدف أصبح بعيد المنال.
المياه الراكدة في اليمن، تسحب الرياض تدريجيا نحو القاع، من دون أي فرصة لتعويض حقيقي يحفظ ماء وجه رعاة الحرب. والمتنفذون في الحرب الذين يتزعمهم ولي العهد قامروا بكل الأوراق لأجل هدف وهمي، ويتجلى لهم أن الأيام تجعله صعب التحقيق من دون صفقة شاملة تعقدها السعودية مع غريمتها إيران.
الحلول العسكرية حتى الآن سجلت فشلا ذريعا لقوات التحالف، مع الكلفة الثقيلة التي تتحملها أساسا السعودية، والمجازر المرتكبة في حق المدنيين، تجلب المزيد من المتاعب للشاب الذي يحلم باعتلاء عرش البلاد عبر تسويق صورته في المحافل الدولية.
الفشل العسكري في تحقيق حسم مباشر، يرافقه مأزق سياسي جلي، بعدما عجزت الأمم المتحدة، والتي تقود وساطة بين أطراف النزاع، في تحقيق تقدم نحو التوصل إلى حل على طاولة الحوار.
عملية السلام في اليمن، تشهد حتى الآن جموداً غير مسبوق وتعثراً لكل خرائط السلام، وهذا بعد أسابيع من تعيين البريطاني، مارتن غريفيث، مبعوثاً أممياً جديداً، خلفاً لإسماعيل ولد الشيخ. فالدبلوماسي الموريتاني الشاب سلم يائسا المشعل لخليفته بعدما ضاقت به السبل وشعر باستحالة تحقيق أي تقدم في ظل تصلب المولقف خصوصا مع وجود لاعبين كثر في الميدان لكل حساباته الخاصة وأجندته التي يعمل عليها.
وبالرغم من كون المبعوث الأممي يحتفظ حتى الآن ببصيص أمل ويبدو واثقاً من إمكانية تحقيق السلام وتقديم خطة متكاملة في زمن قياسي، إلا أن الواقع يثبت عكس تحركاته، منذ تصاعد حدة النزاع 26 آذار/مارس 2016 وتدخل التحالف العربي لمساندة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي المحتجز في الرياض وفق تصريحات فعاليات يمنية موالية للتحالف ذاته.
الأمم المتحدة التي ترعى جولات من المشاورات، اثنتان منها كانتا في سويسرا، وثالثة استمرت لأكثر من 90 يوماً في الكويت، لم تلق أي بارقة أمل في ظل جمود شامل على المستويين العسكري والسياسي، وكأن النزاع يسير دوما نحو التمديد وباتجاه طريق مسدود، خصوصاً في ظل إحكام الحوثيين سيطرتهم على العاصمة صنعاء.
مؤشرات الاستنزاف التي يتعرض لها أطراف القتال لم تقنعهم حتى الآن بحتمية الحل السياسي، بعد حرب ضروس دخلت عامها الرابع، ولا يزال أطرافها يساهمون أكثر في تأجيج الصراع.
التحالف الذي تقوده السعودية وبالرغم من المأزق الذي وجدت نفسه فيها تواصل غاراتها الجوية على أهداف الحوثيين وتفرض حصارا على البلاد جوا وبحرا وبرا، وميدانيا لم تحقق أي اختراق يسمح لها باعتبار منطقة ما آمنة، وهي لم تؤمن حتى حدودها وعاصمتها الرياض التي تتعرض لصواريخ تسبب لها المزيد من الإحراج.
الطرف المستفيد حتى الآن من الوضع هو الإمارات التي تحكم قبضتها على الجنوب وتفرض سيطرتها على السواحل والموانئ الاستراتيجية وتلعب سرا وعلانية ضد حليفتها الرياض بشكل يطرح معه تساؤلات عن قراءة بن سلمان لهذا الدور المريب وإفشال خططه بالرغم من استنزاف قدراته في هذه الحرب التي لم يحقق منها أي مكسب وجلبت له المزيد من المتاعب مع الأطراف الدولية.
كلفة الحرب القاسية بما خلفته من مآس لا يبدو أنها تشكل معضلة لساسة السعودية حتى الآن، بالرغم من أن عدد الجرحى تجاوز 22 ألفا بينهم 5000 طفل وامرأة، إضافة إلى وفاة أكثر من 2100 وإصابة أكثر من 800 ألف جراء تفشي داء الكوليرا في البلاد.
منظمة «أوكسفام» البريطانية، والتي أوردت هذه الاحصائيات قبل شهور، وصفت الوضع الإنساني في اليمن بأنه الأسوأ في التاريخ، وشددت على إن أكثر من 11 مليون طفل يتضورون جوعا وباتوا مهددين بخطر المجاعة.
وأشار المركز القانوني للحقوق والتنمية، في صنعاء بدوره إلى تجاوز عدد النازحين مليونين و650 ألفاً، في حين بلغ عدد المنازل المدمرة والمتضررة جراء قصف طيران التحالف 410 آلاف. كما دمر في عمليات القصف 15 مطاراً و14 ميناءً و2144 طريقاً وجسراً، إضافة إلى 16000 مبنى آخر بينها مساجد ومدارس ومنشآت جامعية ورياضية، ومستشفيات ومحطات لتوليد الكهرباء، وخزانات شبكات المياه ومحطات اتصالات، ومنشآت تجارية وحقولا زراعية وأسواقا تجارية، ومصانع ومخازن غذاء ومزارع للدواجن والمواشي.
وترفع المنظمات الحقوقية صوتها عاليا، مشيرة أن الوقت حان لجلوس أطراف الصراع إلى طاولة الحوار السياسي الجاد لتسوية الأزمة بعدما فشلت الحلول العسكرية في تحقيق الاستقرار والحد من الخسائر التي نغصت حياة اليمنيين وجعلت البلد يأمل دون جدوى أن يصبح سعيدا.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2018/04/29