نهاية المطاف.. حرب استنزاف
د. نادية الحكيم
مصير الحروب لا تحددها شدة المعارك أو قوة الجيوش و العتاد فحسب وإنما أيضا حرب الاستنزاف التي تليها أو حتى تسبقها . ..انتصرت سوريا في حربها على الإرهاب انتصارا كلفها عشرين عاما من عمر حضارتها، و دمارا غير مسبوقا لبنيتها التحتية، لاقتصادها ،و لتركيبتها الديمغرافية. و لعل تلك كانت هي المهمة الأساسية الموكولة للجماعات الإرهابية التي دخلت الأراضي السورية من كل حدب و صوب لتدمر آخر قلعة من قلاع العروبة و الكرامة العربية.
لم تنته الحرب بعد.. فهناك حرب جديدة قادمة، تلوح طلائعها في الأفق، و لكن المستهدف فيها الآن هم حلفاء سوريا الذين آزروها في حربها على الإرهاب، و الذين يشكلون بحد ذاتهم أطرافا مستهدفة بالنزاع القائم من قريب أو بعيد إما بالمواجهة المباشرة أو بالاستدراج الممض، و المقصود هنا روسيا، إيران، و حزب الله.
فروسيا من جهة هي الغريم التاريخي للغرب و الولايات المتحدة الأمريكية و لكنها في المقابل هي حليف استراتيجي و تاريخي لسوريا، وجدت نفسها معنية بشكل مباشر في الصراع على أرض سوريا و سمائها لاعتبارات مهمة. أولها أن سورية كانت دائما الموطئ الآمن لها في منطقة الشرق الأوسط و حليفها الأول منذ خمسينيات القرن الماضي و هو عمر العلاقات بين سورية و روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي. ثانيا باعتبار الخطورة التي تمثلها عودة الإرهابيين من الشيشان إلى روسيا و الذين قدر عددهم بحوالي 1400مقاتل يعتبرون من أشرس المقاتلين و يشكلون قنابل موقوتة في حال عودتهم إلى روسيا و قد عبر عن ذلك أحد المسؤولين الروس بقوله (دعهم يموتون هناك و هم في طريقهم إلى الله بدلا من أن يعودوا بالإرهاب إلى هنا). و ثالثا باعتبار الحصار الاقتصادي، الديبلوماسي، و السياسي المحكم من قبل الناتو و دول الاتحاد الأوروبي على روسيا والذي شهد تصعيدا واضحا إثر استرجاعها لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا بحيث أصبحت العلاقة بين الطرفين أقرب إلى الصراع المباشر منه إلى الحرب الباردة و تجندت لأجله كل الذرائع ل “تقليم أظافر” الطرف الروسي و المثال الأوضح كان قضية الجاسوس المزدوج المفتعلة و ما تبعها من حصار ديبلوماسي مشدد على روسيا، و انتهاءا بالهجوم الكيماوي المزعوم في دوما، و الهدف دائما هو إطالة زمن الحرب بكل ما يعنيه هذا من استنزاف اقتصادي، لوجستي، و بشري لروسيا و اقتصادها الذي يعاني من الضغوط و العقوبات الاقتصادية الغربية.
أما إيران المرتبطة مع سوريا بمعاهدة دفاع مشترك موقعة عام 2006 تتيح لها فتح جسرجوي عسكري مع سوريا فلم تجد بدا من الزج بعتادها و خبرائها العسكريين للوقوف إلى جانب الجيش السوري في حربه على الإرهاب لاعتبارات متعددة أيضا: فإيران مهددة بإلغاء اتفاقها النووي مع الغرب الذي لن يتوان و بتأثير من الولايات المتحدة عن إعادة تضييق الخناق عليها سواءا ديبلوماسيا بدلالة قطع المغرب لعلاقاته معها مؤخرا أو عسكريا بدليل الهجمات المتتالية على قواعدها العسكرية في سوريا و التي قضى فيها ثلة من خير خبرائها العسكريين أو حتى اقتصاديا عن طريق العقوبات الاقتصادية، عدا عن ذلك فإن إيران التي تعيش عزلة حادة في محيطها الإقليمي و لا سيما الخليجي لاتهامها بمحاولة التمدد الشيعي في المنطقة عدا عن نفوذها المتزايد و المرتبط بقوتها العسكرية المريبة بالنسبة للغرب و “لبعض” العرب فإنها قد وجدت في سوريا متنفسا لها اقتصاديا و سياسيا، مكنها من كسر عزلتها خاصة مع دول الشرق العربي لبنان، الأردن. و لذلك فإن بقاء الدولة السورية بكيانها السياسي القائم هو ضرورة ملحة لإيران و لنفس السبب يرى الغرب و حلفاؤه بأن “الطريق إلى طهران” يمر عبر سوريا و الخطوة التالية في هذا الطريق هي حرب استنزاف طويلة الأمد تدرك إيران حتميتها و لكنها تفضل أن تتم وقائعها على الأرض السورية بدﻻ من أرضها و لربما على الأرض اللبنانية بحكم ارتباطها الوثيق بحزب الله و الذي هو الطرف الثالث المعني بحرب الاستنزاف.
فحزب الله استطاع فرض نفسه كقوة اقليمية يحسب لها ألف حساب، و لكنه مهدد داخليا و خارجيا بنزع سلاحه و بمحاولات اقصائه سياسيا عبر تصنيفه كمنظمة إرهابية تصنيف صادقت عليه حتى بعض الدول العربية. علاقاته الوثيقة مع إيران و امتلاكه لترسانة صاروخية لا يستهان بها جعلت منه خطرا حقيقيا على الكيان الصهيوني لابد من التخلص منه، باعتبار أن أمن إسرائيل هو الحقيقة الوحيدة الثابتة للسياسة الأمريكية.
أما بالنسبة لتركيا و بغض النظر عن التحاقها مؤخرا بهذا المحور و تحالفها مع طرفيه روسيا و إيران فإنه لا يمكن تصنيفها ضمن محور الدول المعنية مباشرة بحرب”تكسير العظام” و ذلك بسبب مواقفها المتذبذبة و خطواتها المتناقضة بساق في الشرق و أخرى في الغرب بحيث لا يمكن اعتمادها كحليف استراتيجي وثيق بقدر ما هي شريك عابر.
قد تبدو نهاية الحرب قريبة بموجب مؤشرات عسكرية ميدانية لصالح الجيش السوري و حلفائه أو بموجب تحركات دولية لتفعيل عملية إعادة اللاجئين إلى ديارهم بدلالة المؤتمر( بروكسيل 2) المنعقد مؤخرا في (نيسان) أو عقد مؤتمر المانحين لإعادة الإعمار (يهدمون الدار فوق رؤوس أصحابها ثم يتباحثون في إعادة إعمارها و لكن بدون أصحابها بحجة أن لهم إله سيعيد خلقهم يوم القيامة).كل تلك المؤشرات قد توحي بقرب انتهاء الحرب و لكن التحركات الاستفزازية الواقعة كالعدوان الثلاثي في أفريل أو الضربات الصاروخية الإسرائيلية الأخيرة على مطار تيفور و على مواقع عسكرية أخرى و التحركات الأمريكية الداعمة للأكراد في شمال شرق سوريا و غيرها كثير، عدا عن التصعيد الكلامي و التهديدات الحادة المتبادلة كلها تؤكد أن حرب الاستنزاف قد بدأت، قد تطول مدتها و تنتهي بحرب إقليمية أو حتى عالمية أو تقصر مدتها بتفاهم القوى العظمى و اتفاقها على تقاسم المصالح و مناطق النفوذ و لكن المؤكد أنها ستكون معركة وجود… ” تكون أو لا تكون“.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/10