الذكرى السبعون للنكبة الدولة المزعومة: من عصابات إرهابية إلى كيان آثم إلى مزبلة التاريخ
رميز نظمي
أن يعتقد البعض في الغرب أن المجزرة التي اقترفها الكيان الاستيطانى مؤخراً بحق فلسطينيين عزل هي عمل استثنائي، فإنهم على خطأ فادح .. كما أن هناك كائنات من غرائزها امتصاص دماء الغير، كذلك توجد كيانات، كالكيان الصهيوني، من أطباعها العدوان و البغي المستمرين.
فكما أقر البروفسور الصهيوني بيني موريس (Benny Morris)، أستاذ مادّة التاريخ في جامعة بن غوريون بقوله: ” لم تكن دولة يهودية ستظهر إلى حيّز الوجود لولا اقتلاع 700,000 فلسطيني. لذلك، كان لا بدّ من اجتثاثهم، لم يكن هناك خيار سوى طرد هؤلاء السكّان”.
أثناء احتلال بريطانيا لفلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، تكونت ثلاثة ميلشيات إرهابية صهيونية فى فلسطين: هاغاناه و شتيرن (ليهى) و أرغون. عصابة شتيرن كانت مسؤولة عن ذبح مدنيين فلسطينيين، وعن اغتيال مسؤولين أجانب، وكان أحد ضحاياها الكونت بيرنادوت (Count Bernadotte)، وهو دبلوماسي سويدي عيّنته الأمم المتّحدة مندوباً لها في فلسطين، و حتى إجراؤه مفاوضات في أثناء الحرب العالمية الثانية أدت لإطلاق سراح نحو 1,300 سجين، فيهم يهود كثر، من معسكرات الاعتقال الألمانية لم تشفع له لدى قاتليه الصهاينة. أما أرغون فهي التي فجرت فندق الملك داود بالقدس الشريف عام 1946 .
ارتكبت هذه الميليشيات الثلاث الأرغون والشتيرن والهاغاناه مجازر كثيرة، راح ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين، ففي سنة 1948 فقط، وهي سنة إعلان إقامة “الدولة اليهودية”، ارتُكبت 24 مجزرة على الأقل في قرى وبلدات فلسطينية مثل يافا وصلْحة واللد والدوايْمة وأبو شوشة والطنطورة وعرب المواسي والصفصاف والجش وعيلبون ودير الأسد ومجدل كرم وسعْسع، لكنّ أبشعها كانت مجزرة دير ياسين.
في صبيحة التاسع من نيسان/أبريل 1948، هاجمت عصابة مؤلفة من إرهابيي الأرغون والشتيرن، بمؤازرة الهاغاناة وموافقتها، قريةَ دير ياسين المسالمة، وبحلول الظهيرة ذبحوا ثلثي سكانها، وجلّهم من النساء والأطفال، من بين الضحايا امرأة بقَر قاتلُها بطنَها وكانت حاملاً في شهرها التاسع، وذُبحت امرأة أخرى حاولت إنقاذ الجنين بإخراجه من رحم أمّه المحتضرة، وكتب ريتشارد كاتْلينغ (Richard Catling)، وهو الضابط المحقّق البريطاني، “الكثير من فتيات المدارس اغتُصبن ثمّ ذُبحن. واغتُصبت امرأة مسنّة أخرى… وهناك فتاة صغيرة شُطرت نصفين بالمعنى الحرفي للكلمة، كما ذُبح الكثير من الأطفال الرضّع وقُتلوا”، ونُقل خمسة وعشرون قروياً في شاحنات، وسير بهم في شوارع القدس وأُعدموا رمياً بالرصاص في مقلع قريب.
في الذكرى السنوية الثانية والعشرين لمذبحة دير ياسين، قُتلت مجموعة أخرى من الطالبات العربيات، وأُصيبت أخريات بجروح، عندما قصفت الطائرات الحربية التابعة لـ”الدولة اليهودية” مدرستهم في قرية بحر البقر المصرية في 8 نيسان/أبريل 1970؛ حقاً و كما يقول المثل: “العادات القديمة لا تتغيّر بسهولة”.
كان مناحيم بيغن أحد القادة الرئيسيين لعصابة الأرغون، فيما كان إسحاق شامير أحد قادة عصابة الشتيرن البارزين، وبعد العام 1948، صارا قائدي حزب هيروت (Herut) الذي خرج من رحمه تكتّلُ الليكود، الذي يرأسه حالياً رئيسُ الوزراء بنيامين نتن ياهو، على الرغم، أو بالأحرى بسبب، وحشية بيغن وتطرّفه، أصبح رئيساً للوزراء من سنة 1977 إلى سنة 1983 حين خلفه شامير. غزا بيغن لبنان في سنة 1982، وهو غزو خلّف 17,000 قتيل وارتُكبت في أثنائه مجزرتا صبرا وشاتيلا اللتان راح ضحيتهما ما يصل إلى 3,500 لاجئ فلسطيني جلّهم من النساء والأطفال.
كانت وحشية بيغن وعنصريته معلومة ومدانة على نطاق واسع، وعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة نيويورك تايمز رسالة في 4 كانون الأول/ديسمبر 1948 شجبت فيها بقوّة عزم بيغن على زيارة نيويورك، ووصفت هيروت بأنّه: “حزب سياسي أشبه في تنظيمه وطرقه وفلسفته السياسية وجاذبيته الاجتماعية بالحزبين النازي والفاشي. تشكّل الحزب من أعضاء وأتباع أرغون زفاي ليومي، وهي منظّمة شوفينية يمينية إرهابية في فلسطين… واليوم، يتحدّث (مناصرو هيروت) عن الحرّية والديمقراطية وعن معاداة الإمبريالية، فيما كانوا حتى الأمس القريب ينشرون جهاراً عقيدة الدولة الفاشية، ومن خلال أفعاله، فضح هذا الحزب الإرهابي طبيعتَه الحقيقية، ومن أفعاله السابقة يمكننا الحكم بما يمكن توقّع ما سيفعله في المستقبل”. وقّع هذه الرسالةَ مفكرون وشخصيات يهودية بارزة كثيرة مثل ألبرت أينشتاين ذاته، وهانّاه أريندت (Hannah Arendt)، والحاخام جيسورون كاردوزو (Jessurun Cardozo).
إشارة إلى الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني، فقد أقرّ مايكل بِن يائير (Michael Ben-Yair)، كبير المسؤولين القانونيين السابق (المدّعي العام) لدى “الدولة اليهودية” بأنّ “الدولة” فرضت على الفلسطينيين بالضفة الغربية “نظام تفرقة عنصرية”، كما أفصح أفرهام شالوم (Avraham Shalom)، رئيس سابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بأنّنا “(أصبحنا) قوّة احتلال قمعية، كالألمان في الحرب العالمية الثانية”، بل إنّ آمي أيالون (Ami Ayalon)، وهو أيضاً رئيس سابق للشاباك، ووزير سابق، اعترف بأنّ “الدولة اليهودية” غارقة في “طغيان مستفحِل”، وقد أصدرت إحدى وكالات الأمم المتّحدة تقريراً في 15 آذار/مارس 2017 يصف “الدولة اليهودية” “بأنّها مُذنبة بجريمة التفرقة العنصرية” أعدّ التقرير اثنان من الأساتذة الجامعيين الأمريكيين: فرجينيا تيلي (Virginia Tilley)، ورتيشارد فالك (Richard Falk)، وهو يهودي أمريكي.
منذ نشأة هذه “الدولة” و هي ضالعة في حرب أبدية مع الفلسطينيين و الدول العربية المجاورة، ففي خلال السنين السبعين الأخيرة اندلعت سبع عشرة حرباً و مواجهة عسكرية بين الطرفين، و قتل و جرح و هجر ملايين الأشخاص، و أهدرت مليارات الدولارات في التدمير بدلاً من استثمارها في البناء و التنمية و الازدهار.. الإنفاق العسكري للفرد في “الدولة” يزيد على أربعة أمثال نظيره في روسيا.
أثبتت الأيام صحّة تكهّنات رسالة النيويورك تايمز أعلاه، فالسياسات التي اعتمدتها “الدولة اليهودية” منذ تأسيسها عام 1948 هي عدوانية وتوسّعية و عنصرية.. “دولة” انبثقت عدوانية، و نمت ظالمة، و تعيش وغدة.. كيان موبوء بالجور منذ أن كان جنيناً في رحم القوى الباغية.. ففي غضون أقلّ من عشرين سنة، أي بعد انتهاء حرب 1967، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزّة، تحوّل هدف وعد بلفور من “إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين” إلى “إقامة دولة استيطانية، جائرة، عنصرية للشعب اليهودي على كامل فلسطين”. و في هذا السياق، ليس من الغريب أن يعتبر المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الكيان الصهيوني أكثر “دولة” في العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان. في الجلسة المنعقدة بتاريخ 24\3\2017 في جنيف، أصدر المجلس خمسة قرارات يدين فيها الكيان الصهيوني لمعاملته اللا إنسانية للفلسطينيين… “نحن نعلم علم اليقين أنّ حرّيتنا لن تكتمل من دون حرّية الفلسطينيين”، هذا ما قاله أكثر شخص علماً بنظام التفرقة العنصرية، نلسون مانديلا.
احتل الصليبيون، و الصليب منهم براء، فلسطين و القدس الشريف فى سنة 1099 و قتلوا و ذبحوا و عاثوا في الأرض فساداً، و لكن رغم طغيانهم و جبروتهم هزموا شر هزيمة بعد 88 عاماً و طهرت الأرض و عادت إلى أهلها الشرعيين .. مما لا شك فيه من المحتم سيعيد التاريخ نفسه و يلاقى الغزاة الجدد، عاجلاً أو آجلاً، نفس مصير أسلافهم إن استمروا في غيهم، ” وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ” صدق الله العظيم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/27