الكتابة الساخرة والإجرام القمعي المسخرة
عبد الفتاح طوقان
تعد الكتابة الساخرة من أهم مستلزمات الحياة الثقافية والسياسية وهي حجر الزاوية عند إغلاق منابع التعبير السياسية.
واقصد أنها أول سلاح ابتكره الإنسان في حياته ليدافع عن ذروة الألم، في مواجهة بطش الحكومات المستبدة.
وإذا ما تم الاتفاق على أن حرية الرأي هي الحق السياسي لإيصال أفكار الشخص عبر الحديث والقلم والورق وغيرها من الوسائل حيث يستخدم الكاتب مصطلحات ساخرة أحياناً بالترادف، فأنه بلا شك عندما تحجب الأفكار، وتمنع الآراء من خلال الكلام، أو الكتابة، ويصبح القيام بعمل فني او صحفي تحت رقابة مطرقة الأمن، وقيود من السلطات الحكومية، فأن السخرية تعتبر مؤشر على مدي السخط الشعبي والمخرج الواقعي لحال الأمة.
ولقد حاولت الأردن استخدام السخرية للتنفيس عن الشعب المقهور من حيث التفسير والعثور على جزء مبهج حتى في أكثر الأشياء كآبة وإخراجه علي شكل مسرحيات ناقده للوضع العام مغلفة بموافقة الرقيب المسبقة فكانت بعض منها مجرد فقاعات، إلا أن الكتابة الساخرة الأردنية أتت من عمق الألم النفسي المبدئي والإحساس بالواقع.
وأعود إلي البداية في مكتب رئيس مجلس إدارة الرأي في أحد ليال العام ١٩٩٩، قبل سفري لتسلم مهام إدارة ورئاسة تحرير صحيفة ناطقة بالإنجليزية، هي كويت تايمز، منذ أكثر من تسع عشر عاما، وكان حينها الدكتور والصديق خالد الكركي ابن قرية العدنانية الواقعة في محافظة الكرك جنوب الأردن، ان تحدثنا عن فلسفة السخرية وهو الحاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كامبريدج عام ١٩٨٠.
تحدثنا عن فلسفة وعبقرية الكاتب الساخر جورج برنارد شو، الأيرلندي، الذي ألف ما يزيد عن ستين مسرحية تحمل رسائل اتهامات للحكومات بسخرية وجرعة كبيرة من الكوميديا أحتضنها الجمهور.
هذا الكاتب العظيم وحياته التي كانت في بدايتها نضالاً ضد الفقر، فجعل من مكافحة الفقر هدفاً رئيسياً لكل ما يكتب وكان يرى أن الفقر مصدر لكل الآثام والشرور كالسرقة والإدمان والانحراف، وأن الفقر معناه الضّعف والجهل والمرض والقمع والنفاق.
وسألني معالي “أبا رشا” الذي كان أن تولي وزارة الثقافة والإعلام ومنصب نائب رئيس الوزراء، أي الدكتور الكركي، ماذا ينقص جريدة الرأي، فكانت الإجابة ” صحافة بمفهومها الصحفي الحقيقي حيث لا يتم الخلط بين الكاتب والصحفي، وكتابات ساخرة معبرة عن الم الواقع والمعاناة عوضا عن منافقة البعض للحكومة وكل حكومة”. وجاءت ايماءة راسه وتحدث بعذوبة الانسياب الثقافي الذي يتمتع به ويمتع أذان مستمعيه مؤيدا للاقتراح باستقطاب “كاتب أو اثنين لديهم موهبة التعبير عما يدور في ذهن وقلب ووجدان الشارع بطريقة ساخرة، ومنحني فرصة قرأه سيرتهم الذاتية وبعض من مقالاتهم قبل تعيينهم وخروجهم لمواجهة الجماهير عبر مقالات قوية ساخر ناقدة، حيث وقع الاختيار على الاثنين وهما الأساتذة أحمد حسن الزعبي وعبد الهادي راجي المجالي وفتح لهما صفحات الرأي التي كانت مغلقة ولا تزال. وسافرت في اليوم التالي إلي الكويت واستلمت عملي وانتظرت أسبوعان قبل أن اقراء أول مقالتيهما على صفحات جريدة الرأي.
كانت شرارة التغيير للأفضل من بنات أفكار عقل الدكتور خالد الكركي، لا فضل لي بها، ولكنه أراد أن يستمع لرأى أخر يثق به على إطلاع بكلتا الثقافتين الأردنية والغربية.
ومرت السنوات واستمتع القراء بكتابات ساخرة ممزوجة بألم الواقع لكل منهما، وأبدع كلاهما وتفوق الكاتب الساخر احمد حسن الزعبي في توصيف الحال الأردني بمبدئ ارتفع عن هاوية السقوط في قبضة التبعية الأمنية، ونجح في تحقيق نسب مشاهدة عالية عبر برامجه علي “اليو تيوب” و الشاشة الصغيرة ” إلي أن اقترف الرذيلة”، و هي مخالفة تعليمات صادرة، و نشر خبر عن رفض جريدة الراي نشر بيان صادر عن غرفة صناعة عمان تناشد وقف قانون معدل للضريبة، كانت صدرت أومر لجريدة الرأي، بعدم نشره.
الرذيلة في مفهوم الحكومة هو نشر آراء من يخالفها، وتعرية موقف الصحافة من التعبير الحر عن الشعب ومؤسساته حماية لبطش الحكومة بحق الشعب في العيش بكرامة وبفرض مزيد من الضرائب والقانون المسيء للسمعة. أين منطق ف تعريف الرذيلة تلك؟
أحمد حسن الزعبي، تم إيقافه عن الكتابة في جريدة الرأي، عقابا للشعب الذي عليه أن يعيش الألم ولا يفرح أو يبتهج عندما يستقبل المعاناة بصورة ساخرة من قلم مبدع.
وللأسف أن ما حدث ما هو إلا قتل للرأي ومعتقلا جديدا يعيد للأذهان سجن المحطة القديم والجفر، ويضع قيودا على الحريات والفكر، أنه جرم في حق حرية الإعلام ومسخرة.
أمدحني أسعدك ولا تحتار، وخالفني أنت وأباك في الدار”. “. سياسات الحكومة لم تختلف:
الحل هو في إطلاق الحريات والشفافية وإغلاق معتقلات “الرأي” الفكرية وأخواتها، يا لها من سخرية القدر أن يكون الكاتب” ساخرا ورد الفعل العقابي علي ما قام به ” مسخرة”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/30