قمة نواكشوط ستدخل التاريخ على أنها قمة “الجرذان”..
عبد الباري عطوان ..
ستدخل القمة العربية التي ستبدأ أعمالها غدا (الاثنين) في العاصمة الموريتانية نواكشوط التاريخ، لأنها الأولى التي ستعقد في خيمة، ولأن تمثيل الزعماء فيها ربما يكون الأقل عددا، ومن المتوقع أن تعكس قراراتها هيمنة المملكة العربية السعودية وحلفائها على أعمالها، ومداولاتها، وكواليسها أيضا.
إذا صحت الأنباء التي تقول أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيغيب عنها حدادا على وفاة أخيه، فأن هذا يعني أنها المرة الأولى التي يغيب عنها الممثل “الأعلى” للقضية الفلسطينية منذ القمة العربية الأولى التي انعقدت عام 1964، وهذا يعني بؤس الحالين، حال القمة، وحال القضية الفلسطينية التي تصدرت أجندات معظم مثيلاتها، ولا نعرف من هو أهم بالنسبة إلى الرئيس الفلسطيني، هذه القمة التي تتراجع فيها أهمية قضيته مما يتحتم حضوره، أم عزاء شقيقه؟
الحكومة الموريتانية تطوعت، مشكورة، لاستضافة هذه القمة بعد أن تراجع المغرب عن استضافتها، وكان قراره محقا ومفهوما، فالوضع العربي بائس، والانقسامات في ذروتها، والزعامات التاريخية التي كانت تملك الجرأة والشجاعة لاتخاذ القرار اختفت من الساحة، أما مقتولة، أو مشنوقة، أو مقلوبة (من انقلاب)، أما من تبقى فقد أعياه المرض وأقعده، أو يتدرب على الحكم، أو يعاني من اكتئاب مزمن، أو يخشى من الاغتيال، أو عدم العودة إلى كرسي حكمه.
***
حتى كتابة هذه السطور ما زال من غير المعروف من سيحضر هذه القمة، ومن يفضل الاستمرار في عطلته الصيفية في مصايف أوروبا وجوارها، عليها، فهناك تسعة زعماء فقط أعطوا موافقة مبدئية، ولم يؤكد منهم الحضور رسميا إلا خمسة فقط، لأنه لا يوجد لديهم شيء يفعلونه، ويعتبرون مشاركتهم، نوعا من السياحة، أو كسر الملل، ونعتذر عن ذكر الأسماء، والإسهاب أكثر في هذا المضمار لتجنب جرح المشاعر.
نشعر بالأسف، بل والغضب، عندما قرأنا أن السيد تمام سلام ممثل “البرجوازية” اللبنانية، قرر عدم المبيت في العاصمة الموريتانية، وقضاء الليلة في الرباط، تجاوبا مع نصيحة وزير صحته وائل أبو فاعور، الذي نقل عنه قوله أن فنادق نواكشوط مليئة بالجرذان، وليس الفئران والصراصير فقط، وهذه أكبر إهانة يمكن أن توجه إلى دولة إسلامية عربية نحرص على هويتها العربية، وتتمسك بها أكثر من أي دولة عربية أخرى، وتملك تاريخا في العلوم الإسلامية واللغوية يشرفنا جميعا، قبل أن يشرفها وشعبها.
الشعب الموريتاني الشقيق الذي طرد السفير الإسرائيلي من بلاده، وأغلق سفارته في وقت بدأ التهافت العربي، وتصاعد التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لا يستحق مثل هذه النظرة الدونية من زعماء أو مسؤولين عرب، سواء كانوا قادمين من دول البادية وبيوت الشعر، أو من دول “الحضر” والرفاهية المدنية.
لا نفهم هذه الغطرسة، وهذا التعالي من زعماء يقولون أنهم عرب تجاه دولة مثل موريتانيا، كل ذنبها أنها فقيرة لا تملك نفطا ولا ذهبا، وأنما مخزونا هائلا من الكرامة والوطنية، والعروبة وعزة النفس، بحيث أن معظمهم لا يريد أن “يتقشف” ولو لساعات قليلة بعيدا عن قصوره الفارهة، من أجل بحث أحوال هذه الأمة وقضاياها، والتعبير عن الامتنان لدولة، ولشعب أصرا الحفاظ على هويتهما العربية الإسلامية، والانضمام إلى الجامعة رغم ما واجهاه من نكران وشكوك في الهوية، قبل عقود.. والله شرب حليب ناقة مع حبات من تمر الواحات الموريتانية أطيب من كل وجبات مطاعم أوروبا، ومن يتمثلون بها من العرب.
نعتذر لأننا لم نتحدث عن جدول أعمال هذه القمة، والقضايا المطروحة على سلمه، لسبب بسيط، وهو أنه غير موجود في الأساس، وأن وجد فأن من وضعه، وصاغ القرارات الختامية، ينتمي إلى تلك الدول التي مزقت الدول العربية جغرافيا وسياسيا، وفجرت الحروب الدموية فيها، وتأمرت مع أمريكا والغرب لتفتيت وحدتيها الجغرافية والديمغرافية، ودعم تدخلات عسكرية أطاحت بأنظمة، واغتالت قيادات، وحولت أكثر من خمس دول على الأقل إلى دول فاشلة حاضنة للتطرف، والفتن الطائفية.
كان مضحكا أن يتعهد وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا للتحضير لهذه القمة، بالقضاء على الإرهاب.. مضحكا لأن هؤلاء، ودولهم، هم الذين رعوا الإرهاب ومولوه، وأنفقوا مليارات الدولارات لإيصاله إلى ما وصل إليه، وخرج في نهاية المطاف من تحت سيطرتهم وارتد عليهم تفجيرا وقتلا ودمارا.
***
قمم عربية تغيب عنها سورية والعراق والجزائر، ويحضرها زعماء من ليبيا واليمن ما زالت شرعيتهم موضع شك، ولا يتمثل فيها لبنان إلا برئيس الوزراء، لأنه لا يوجد فيه رئيس بالأساس، هذه القمم لا تستحق الكتابة عنها، ولا الاهتمام بها، ومتابعة أخبارها، ولكننا مضطرون، ليس لعدم وجود مواضيع أخرى أكثر أهمية، وإنما لأننا أردنا تعرية هذا الوضع العربي البائس، والانتصار للشعب الموريتاني الشقيق المضيف لهذا الحدث، مع تسليمنا أن هذه القمة جاءت إلى مضاربه في الوقت الخطأ، وبعد أن فقدت هذه الأمة ريحها، ومعظم هويتها، أن لم يكن كلها، وقيمتها وكرامتها.
“جرذان” فنادق موريتانيا، إذا كانت موجودة فعلا، وأقل ضررا، من الكثير من ضيوفها، لأنها لم تقتل، ولم تسفك دماء، ولم تخرب بلدانا، وتشن حروبا على أخرى، ولا تعرف الطائفية والعنصرية والطبقية، تبحث فقط عن كسرة خبز، تسد بها جوعها.
نتعاطف مع الجرذان لأننا لا يمكن أن نتعاطف مع أولئك الذين يدمرون الدول، ويشعلون الحروب، ويشردون الشعوب، ويقتلون الأبرياء، أطفالا كانوا أو بالغين.
هذه ليست قمة عربية، والشعوب العربية معها كل الحق في تجاهلها واحتقارها، لأن معظم المشاركين فيها سبب البلاء، وحالة الانهيار التي نعيشها.
أضيف بتاريخ :2016/07/25