زيارة الأسد لموسكو “زلزال سياسي” ضرب المنطقة وخلط كل الأوراق فيها
زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحضور معظم أركان الدولة الروسية العليا، إن لم يكن كلهم، هي رسالة تحد إلى أكثر من جهة إقليمية ودولية، ليس لأنها الأولى من نوعها إلى الخارج منذ خمس سنوات تقريبا، وإنما لأنها أعطت دفعة من الثقة للرئيس السوري، كان بحاجة إليها، في ظل تغول الجهات التي تريد الإطاحة به ونظامه.
الانطباع الذي كان سائدا قبل هذه الزيارة، يفيد بأن الرئيس السوري يخشى مغادرة دمشق خشية أن لا يعود، لأن الدائرة المحيطة به قد تنقلب عليه، ولكن الزيارة إلى موسكو، وبدعوة من الرئيس بوتين شخصيا، مثلما ذكر موقع الكرملين الرسمي، تؤكد عدم دقة هذه الانطباعات وزيفها أيضا.
وربما يجادل البعض بأن الرئيس السوري لم يتلق أي دعوة من دول عربية أو غربية منذ انفجار الأزمة في بلاده، وحتى لو تلقى مثل هذه الدعوات فإنه قد لا يغادر خشية اعتراض طائرته في الجو، وربما إسقاطها، في ظل الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم، فمن هي الدولة التي يمكن أن تتحدى الإدارة الأمريكية، وتوفر الحماية للرئيس السوري غير روسيا.
***
هناك عدة تكهنات حول هذه الزيارة والقضايا التي جرى التطرق إليها إثناء المباحثات بين الرئيس بوتين وضيفه السوري، من بينها مستقبل النظام السوري، وطبيعة المرحلة الانتقالية، ودور الرئيس الأسد فيها، وما يمكن إن يتبعها من ترتيبات، ولكن الحقيقة في رأينا إن “الزيارة” في حد ذاتها هي الهدف، وأن أهميتها في توقيتها، والرسائل التي أرادت توجيهها إلى أكثر من جهة إقليمية وعالمية.
الرئيس الروسي أراد أن يؤكد من خلال هذه الزيارة حجم التزامه الصلب بدعم الرئيس السوري ونظامه، واستعداده للاستمرار في القتال إلى جانبه في مواجهة كل الفصائل المعارضة المقاتلة، والدول الداعمة لها التي تريد إسقاطه، كما أن الرئيس الروسي بهذا الاستقبال أراد أن يوجه رسالة مزدوجة، واحدة إلى الشعب، وأخرى إلى الجيش السوري، بأنه لا يمسك العصا من الوسط فيما يتعلق بملف هذه الأزمة.
لا نعتقد أن خصوم الرئيس الأسد، وما أكثرهم، سيكونون سعداء بهذه الزيارة التي شكلت صدمة كبرى لها، خاصة أنها جاءت بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي قال فيها أنه يرحب ببقاء الرئيس الأسد ستة أشهر في المرحلة الانتقالية المقترحة، والشيء نفسه كرره تقريبا السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي.
لا نعرف لماذا أدلى الرئيس أردوغان بهذه التصريحات، ولماذا حدد فترة الأشهر الستة لبقاء الرئيس السوري في الحكم، وما هي الاعتبارات التي استند إليها، ونأمل أن لا تكون نفسها، أو مثلها، التي دفعته قبل خمس سنوات إلى الجزم بأن أيام الرئيس السوري معدودة، وأنه سيصلي في المسجد الأموي قريبا جدا.
خمس سنوات كاملة أتيحت للرئيس التركي وحلفائه العرب والغربيين لإطاحة النظام السوري، بالحصار السياسي والدعم المالي والعسكري، ولكنهم جميعا لم ينجحوا بهذه المهمة، ولا نعتقد أنها ستكون أسهل الآن، بعد وضع الرئيس بوتين كل ثقله وبلاده العسكري والسياسي خلف النظام السوري ورئيسه.
***
لا أحد يستطيع أن يتنبأ كيف ستكون خريطة الصراع في سورية والمنطقة في الأشهر والسنوات المقبلة، فمثلما كانت المعارضة المسلحة وداعموها يملكون اليد العليا في بداية الأزمة، اليوم تنقلب الأمور رأسا على عقب، وتتغير المعادلات والتوازنات على الأرض، وفي ميادين المواجهات العسكرية، مع التسليم مسبقا بأن الالتزام الروسي بدعم حليفه السوري أكثر صلابة وجدية من حلفاء المعارضة المسلحة العرب والأمريكان، فروسيا مستعدة أن تقدم خسائر بشرية من أبنائها على الأرض السورية (تم الإعلان عن مقتل ثلاثة جنود روس)، ولكن أمريكا ليست مستعدة بالتضحية بجندي واحد، لأنها مسكونة بعقدتي العراق وأفغانستان، وهنا يكمن الفرق.
لعل السيد أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا الأكثر تعبيرا عن جبهة المعارضة للرئيس السوري، عندما قال تعليقا على زيارته لموسكو، بأنه يتمنى أن يبقى هناك ولا يعود إلى دمشق، ولكن التمنيات شيء، وما يجري على الأرض شيء آخر.
الأسد عاد إلى دمشق وترك مرارة في حلق خصومه، وخلط الأوراق بزيارته الخاطفة، وهذا في حد ذاته انجاز سياسي كبير بعد فترة من القحط استمرت سنوات عدة.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو عن العاصمة الثانية التي سيزورها الرئيس السوري، لا نعتقد أنها ستكون الرياض أو أنقرة على أي حال، ولكن لا شيء مستبعد على الإطلاق في منطقتنا الحافلة بالمفاجآت.
الكاتب: عبد الباري عطوان
المقال لصالح صحيفة رأي اليوم.
أضيف بتاريخ :2015/10/22