هجوم المعارضة السورية على دي ميستورا والمطالبة بطرده يستهدف الشخص الخطأ ويبرئ المتواطئين
عبد الباري عطوان ..
شنت فصائل المعارضة السورية المسلحة بمختلف توجهاتها اليوم (الجمعة) هجوما شرسا على المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، لأنه اقترح خروج المقاتلين من حلب الشرقية حقنا للدماء، وأعرب عن استعداده لمرافقتهم إلى ملاذات آمنة، والحفاظ على حياتهم.
المتحدث باسم جبهة “فتح الشام”، أو النصرة سابقا، السيد حسام الشافعي وصف اقتراحات المبعوث الدولي هذه بأنها تلتقي مع طرح السلطات السورية، بينما ذهب السيد أنس العبدة، رئيس الائتلاف السوري إلى أبعد من ذلك، عندما طالب بطرده وإنهاء مهمته فورا دون أي تأخير.
دي ميستورا الذي اتهمته السلطات السورية قبل بضعة أسابيع بمحاباة الولايات المتحدة وتنفيذ أجنداتها، لا يملك حاملات طائرات، ولا صواريخ “توماهوك” لوقف القصف الروسي المكثف على المدينة وإحيائها الشرقية، التي تتمركز فيها قوات “جبهة النصرة” وحلفائها، الرجل مجرد ساع للبريد، يأتمر بأوامر منظمته ورؤسائه في نيويورك، ويسير وسط حقل ألغام، وإذا كانت “اجتهاداته” لا تتوافق مع مواقف المقاتلين في حلب، فإنه من غير الأنصاف تحويل الرجل إلى كبش فداء، وتحميله وزر كل ما يحدث من دمار وقتل في المدينة.
***
نحن لا ندافع هنا عن دي ميستورا، ولا عن المنظمة التي يمثلها، لأننا نؤمن أنها منظمة فاشلة متواطئة ضد قضايانا العربية منذ أن تحولت إلى أحدى إدارات وزارة الخارجية الأمريكية، وأعطت الضوء الأخضر “الشرعي” لغزو العراق وتدمير ليبيا، ولكننا نعتقد أن استهداف المبعوث الدولي في غير محله، ولن يغير من الواقع على الأرض، ولن ينقذ أرواح حوالي 200 ألف مواطن حلبي باتوا محاصرين حتى الموت، ونتفهم في الوقت نفسه حالة الإحباط التي تسود أوساط بعض فصائل المعارضة، وتدفعها لاتخاذ هذه المواقف.
مبعوثان دوليان سبقا دي ميستورا، الأول كوفي عنان، والثاني الأخضر الإبراهيمي، والاثنان فشلا في مهمتيهما في وقف الحرب، ليس لنقص الخبرة، أو لانعدام النوايا الطيبة، وإنما لأن الأزمة السورية معقدة جدا، وباتت مسرحا لتدخلات قوى عظمى وإقليمية، كل منها لها أجندات مختلفة ومتصادمة، وإلا لما استمرت لست سنوات تقريبا.
اللوم يجب أن يتوجه إلى الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وحلفائها العرب، الذين ورطوا المعارضة السورية المسلحة في حرب دموية، وأغرقوها في أوهام النصر العسكري الوشيك، ثم تخلوا عنها، وأداروا وجههم إلى الناحية الأخرى.
ماذا لو صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي الليلة أو فجر الغد، وطالب بخروج المسلحين المصنفين “إرهابيين” من قبل الولايات المتحدة وروسيا كمقدمة لرفع الحصار، ووقف القصف الروسي السوري لحلب الشرقية، مثلما ورد في نص مشروع القرار الفرنسي موضع النقاش؟
منذ أيام ونحن نسمع جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي يتحدث عن “الخطة الأمريكية B”، وبحث مجلس الأمن القومي الأمريكي خيارات غير دبلوماسية في سورية، بينما يستمر القصف الجوي، ويستمر معه تقدم قوات الجيش السوري.
وزارة الدفاع الروسية قالت دون أي مواربة يوم أمس على لسان المتحدث باسمها، بأنها ستتصدى لأي هجمات أمريكية على مقرات الجيش السوري وقواعده، وأكدت أن صواريخ “اس 300″ المتطورة ستسقط أي طائرة أمريكية مغيرة، ولن يتم السماح بتكرار ما حدث في جبل “الثردة” في محافظة دير الزور، من ضربات أمريكية لجنود سوريين، واليوم حذرت السيدة ماريا زاخاروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية، معارضة حكومتها لتغيير النظام في سورية، لأن هذا التغيير سيؤدي إلى عواقب أسوأ بكثير بالمقارنة بما حصل في العراق وليبيا.
***
لا نعتقد أن دي ميستورا يختلف حاله عن حال المبعوثين اللذين سبقوه، وفضلوا اعتزال السياسة بعد أن ازداد شعر رأسهم شيبا، بل سقط معظمه، بسبب ما عانوه من هجمات واتهامات تخوين، وانحياز من معظم الأطراف في الحكومة والمعارضة أثناء فترة توسطهم في الأزمة السورية، وأنا قابلت السيد الأخضر الإبراهيمي في وندهوك، عاصمة ناميبيا، قبل بضعة أشهر في أحد الندوات المغلقة التي نظمها الاتحاد الأفريقي، وكانت السعادة بادية على وجهه بعد تخلصه من المهمة الصعبة التي جرى تكليفه بها في سورية، ولسان حاله يقول “الحمد الله خلصنا”.
مهمة دي ميستورا أوشكت على الانتهاء، وأيامه باتت معدودة “فعلا”، رغم كرهنا لهذا التوصيف وتكراره، لأسباب تعرفونها، سواء باستقالته التلقائية يأسا وإحباطا، أو بسبب احتمالات تدهور الأوضاع في سورية، وحدوث صدام عسكري مباشر، أو غير مباشر، بين القوتين العظميين، فالحلول السياسية والدبلوماسية تراجعت لمصلحة تقدم الحلول العسكرية، وارتفاع معدل حدة التوتر بسرعة قياسية، والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/10/08