ثماني نقاط وردت في خطاب البغدادي تعكس مستقبل حربي
عبد الباري عطوان ..
حرصتُ على الاستماع للتسجيل الصوتي الذي بثته “مؤسسة الفرقان” لـ “مولانا أمير المؤمنين أبو بكر الحسني البغدادي”، الذي استغرق واحد وثلاثين ونصف الدقيقة، وجاء بمثابة خطاب تعبئة وتحشيد لأبناء الطائفة السنية عامة، وأنصار “الدولة الإسلامية” خاصة، وتحريض للثورة على جميع الحكومات العربية والإسلامية.
عدة أمور كانت لافتة في هذا الخطاب الذي يعتبر الأهم منذ خطابه الأول في المسجد النوري الكبير في الموصل قبل عامين، وأعلن فيه قيام “دولة الخلافة”، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: يُذّكر الخطاب بطريقة أو بأخرى بخطابات شيخ البغدادي أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم “القاعدة”، من حيث اللجوء إلى الاستعانة بآيات قرآنية، مع فارق أساسي، وهو أن السيد البغدادي كان متبحرا في علوم القرآن، وجاء معظم خطابه حافلا بالآيات القرآنية التي رتلها بصوت رخيم، وهذا أمر غير مفاجئ، فالرجل يحمل درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية، وكان خطيبا لأحد المساجد في العراق (سامراء).
ثانيا: ركز طوال الخطاب على تحريض “الانغماسيين” و”الاستشهاديين” على التضحية بأرواحهم، في سبيل الدفاع عن دولة الخلافة، مما يعني أن هؤلاء سيكون لهم دور كبير في معركتي الموصل والرقة، حيث بدأت الأولى، والثانية في الطريق، وخاطبهم بقوله “إن الحرب حربكم حولوا ليل الكافرين نهارا واجعلوا دماءهم انهارا”.
ثالثا: شن هجوما شرسا على زعماء السنة في العراق، واتهمهم بممارسة “أحقر صور الخيانة” على مر التاريخ، منتقدا “أهل السنة” باعتبارهم “لا يتعلمون، وهاجم صمتهم معلنا حربا طائفية ضد أبناء الطائفة الشيعية.
رابعا: ترحم على أرواح “الشهداء” من قتلى “الدولة الإسلامية”، وذكر أبو محمد العدناني، وأبو محمد الفرقان (وزير الإعلام)، وأكد أن “دولة الخلافة” لم تتأثر بموتهما، وهم “ضمن القرابين التي نقدمهم من أجل إرضاء الله”.
خامسا: دعا للمرة الأولى، وعلى هذه الدرجة من الصراحة والوضوح، مقاتلي “الدولة الإسلامية” وأنصارها إلى تنفيذ عمليات ضد تركيا قائلا “إنها دخلت دائرة جهادكم”، مضيفا “استعينوا بالله وأغزوها ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة”، وهذه الدعوة تنبئ بفأل سيء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته واستقرار بلاده، سواء في حال سقوط الموصل، أو في المرحلة التي تتلوها.
سادسا: لم ينس أبو بكر البغدادي المملكة العربية السعودية والاسرة الحاكمة فيها، وحرض أنصاره على تنفيذ عمليات اغتيال للأمراء ورجال الشرطة، والوزراء والإعلاميين، والكتاب، وهذه دعوة تحريضية غير مسبوقة لم يقدم عليها الشيخ بن لادن، خاصة الشق المتعلق منها بالإعلاميين والكتاب الذين وصفهم بـ”الأبواق”.
سابعا: هاجم حركة “الإخوان المسلمين” بشراسة، ووصفهم بـ”الزنادقة”، ووصفها بأنها بدت رأس حربة مسمومة بيد الصليبيين، مثلما هاجم الفصائل الإسلامية الأخرى المقاتلة على الأرض السورية، ووصفها وقادتها بالفصائل المرتدة التي تحارب تحت أجنحة الطائرات الأمريكية.
ثامنا: كان هجومه على القيادة السورية محصورا في إشارته إلى معركة حلب قائلا “إن روسيا ونظام الأسد يسعيان إلى إنشاء كيان نصيري”.
***
صحيح أن لهجة الخطاب، الذي يبدو أقرب إلى “خطبة جمعة” منه كخطاب سياسي، يعكس الظرف الصعب الذي يواجهه تنظيم “الدولة”، حيث تتقدم القوات العراقية المدعومة بقوات البشمرغة الكردية ومحمية بغطاء جوي أمريكي لإخراجه من الموصل عاصمته العراقية، ولكنه لا يوحي بأن صاحبه منفعلا أو خائفا، وإنما عكس ذلك تماما، فلم يتطرق مطلقا إلى الأكراد ودورهم في هذه الحرب، ولا عن سير المعارك، وربما يفسر هذا التجاهل إلى وجوده ربما خارج الموصل في “مكان ما” في سورية والأرجح الرقة.
نقطة أخرى مهمة عسكريا وسياسيا، وربما تسلط الأضواء على مخططات تنظيم “الدولة” وزعيمه البغدادي للمستقبل، وبالتحديد لمرحلة ما بعد الموصل والرقة في حال سقوطهما، ونعني بذلك مخاطبته لأهل الموصل بـ”المهاجرين والأنصار”، وحديثه عن “الهجرة” إلى “ولايات الدولة المباركة” في ليبيا ومصر وخراسان (أفغانستان) والصومال واليمن.
ويبدو واضحا من خلال الخطاب أيضا أن “الهدنة” التي استمرت لأكثر من عام بين تنظيم “الدولة” وتركيا قد انهارت، وحلت محلها المواجهة، حيث اتهم حكومة العدالة والتنمية التي يتزعمها الرئيس أردوغان بـ”العلمانية” و”المرتدة”، وقال إنها تسعى لتحقيق مصالحها وأطماعها في شمال العراق وأطراف الشام، ودخلت في الحرب ضد الدولة “مستظلة بطائرات الصليبيين”، وهذه الفقرة توحي بأن هذا التنظيم بات أقرب إلى موقف الأكراد، دون أن يكون هناك تنسيق بين الجانبين.
لا نعتقد أن الرئيس أردوغان توقع أن يجد نفسه وسط حقل من الإرهاب والمأزق والألغام المتفجرة، عندما قرر التورط في الأزمة السورية سياسيا وعسكريا، وهذا التحريض من قبل زعيم التنظيم البغدادي لغزو تركيا، ربما يؤدي إلى “إحياء” خلايا “نائمة” وموجة من التفجيرات.
***
ربما يعتقد الكثير من المراقبين الغربيين والعرب أن أيام “الدولة الإسلامية” باتت معدودة، وأن عاصمتها في الموصل والرقة، ساقطتان لا محالة، بالنظر إلى حجم وقوة التحالف الذي يشارك في الهجوم لاستعادتها من سيطرة تنظيم “الدولة”، وهذا الاعتقاد ينطوي على الكثير من الوجاهة من الناحية النظرية، ولكن قد تتفكك “الدولة الإسلامية” لمصلحة بقاء “التنظيم”، وهنا مكمن الخطورة الحقيقية.
خطاب “الأمير” البغدادي ومضمونه التعبوي، يعكس هذا التحول، ويمهد له، وإشارته إلى الهجرة إلى “الولايات المباركة” في عدة دول عربية وإسلامية، ربما يؤشر إلى انتقال العديد من المقاتلين، وربما الأذرع الإعلامية إلى هذه الولايات.
السؤال: لماذا جاء الخطاب “صوتيا” وليس بالصورة أيضا، على غرار الخطاب في الجامع النوري الكبير.
لا نملك إجابات، ولكن يمكن أن نتكهن بأن المرحلة الجديدة، والنزول تحت الأرض، والعمل السري الوشيك، يفرض ذلك، ولا نستبعد أن يكون الرجل غيّر هيئته، والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/11/04