ماذا لو تجرأ ترامب وألغى الاتفاق النووي مع إيران؟ ولماذا فاجأنا الأمير الفيصل بنصيحته المعاكسة؟
عبد الباري عطوان ..
أن “ينصح” الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق، والمسؤول عن ملف العلاقات السرية السعودية الإسرائيلية، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بعدم المضي قدما في تعهداته بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لما يمكن أن يترتب على هذا الإلغاء من تداعيات خطيرة، فإن هذه النصيحة “العقلانية” تشكل انقلابا في السياسة السعودية التي عارضت هذا الاتفاق بقوة، وبذلت جهودا كبيرة لمنعه، ووصل الأمر إلى درجة فتح قنوات حوار مع تل أبيب.
لا بد أن الأمير الفيصل أدرك أن هذا الاتفاق يشكل ضمانة، لأكثر من عشر سنوات على الأقل، لمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية، ولذلك لا بد من الحفاظ عليه في الوقت الراهن في ظل الأزمة المالية السعودية، وتعثر “الحروب” السعودية في تحقيق أهدافها في اليمن وسورية، وتدهور علاقاتها مع معظم دول الجوار خاصة مصر والعراق، وانسحابها من لبنان، وبما لا يناسب الدخول في سباق نووي، أو التورط في حروب جديدة مباشرة أو غير مباشرة.
ترامب وصف الاتفاق النووي أثناء حملته الانتخابية بأنه كارثي، وتعهد بأن إلغاءه سيكون على قمة أولوياته عندما يستلم الحكم في 20 يناير (كانون ثاني) المقبل ربما استجابة لضغوط إسرائيلية، ولكن هذا الإلغاء قد يكون أجمل هدية يقدمها لإيران، ومرشدها الأعلى، الذي أبدى في الأشهر الأخيرة تململا من عدم تحقيق هذا الاتفاق النتائج المأمولة منه في رفع الحصار الاقتصادي المفروض على إيران إلا بشكل جزئي.
***
إيران التزمت بكل بنود هذا الاتفاق، ووكالة الطاقة الذرية التي تشرف على أعمال مراقبته أكدت اليوم في بيان رسمي أن إيران تفي بكل التزاماتها بالشكل المطلوب، وهو بيان تحذيري للرئيس الأمريكي الجديد جاء في التوقيت الملائم، ولكن خطوات رفع الحصار الاقتصادي عنها ما زالت تتسم بالبطء، وباتت أصوات داخل الإدارة الأمريكية الحالية تطالب بتشديده، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة بسبب البرنامج الإيراني لإنتاج صواريخ باليستية أكثر تطورا وخطورة.
البديل لإلغاء الاتفاق قد يكون خطيرا جدا، وقد يعني بكل بساطة استئناف إيران لتخصيب اليورانيوم بدرجة عالية جدا، والمضي قدما في تحقيق طموحاتها النووية، وعلى أساس المثل الذي يقول “بركة يا جامع جاءت منك وليس مني”.
رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي وجه اليوم الاثنين تحذيرا قويا لترامب قال فيه “إن بلاده مستعدة لكل السيناريوهات المحتلة بعد تولي الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب.. كما إننا مستعدون أيضا للسيناريو الأسوأ”.. وأوضح “أن ايران قادرة من الناحية التقنية على عملية تخصيب اليورانيوم بشكل سريع وسنصل إلى مستوى التخصيب الذي كنا عليه قبل الاتفاقية، وربما يمكن تجاوزه”.
السيد كمالوندي يعني ما يقول، فإيران ما زالت تملك آلاف أجهزة التخصيب، مثلما تملك مئات العلماء، والعقول التي يمكن أن تشرف على تشغيلها، أي أنها حافظت على هذه الأجهزة، وعارضت أي تدمير لها في المفاوضات الماراثونية، وحمت أرواح علمائها من عمليات الاغتيال الإسرائيلية.
***
إلغاء الاتفاق، وعودة إيران إلى التخصيب مجددا، يعني عودة التوتر، وربما الحرب، ولا نعتقد أن الرئيس الأمريكي الجديد الذي يتصرف بعقلية التاجر (البزنس مان) يريد أن يتوصل وإدارته إلى هذه المصيدة الكارثية، كما أننا لا نعتقد أيضا أن حلفاء أمريكا القدامى في منطقة الخليج يستطيعون إنفاق المليارات لشراء صفقات أسلحة جديدة.
نتفق، وللمرة الأولى، ونأمل أن لا تكون الأخيرة، مع الأمير الفيصل في نصيحته هذه للرئيس الأمريكي الجديد بالحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني على حاله، وتكون هذه النصيحة مقدمة لمراجعة سياسات سعودية منفعلة ومتعجلة، وأبرزها التقرب من إسرائيل والتفكير في تحالف معها، لمواجهة ما تسميه بـ”الخطر الإيراني” المشترك.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/11/15