العميد عسيري يؤكد أن “عاصفة الحزم” أنجزت في اليمن ما فشل فيه حلف “الناتو” في أفغانستان
عبد الباري عطوان
لم يفاجئنا الجنرال الأمريكي تشارلز براون قائد القوات الجوية في القيادة الأمريكية الوسطى، التي تقع منطقة الشرق الأوسط ضمن نشاط مسؤولياتها، عندما أعلن اليوم أن مساهمة دول الخليج في غارات الائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد “الدولة الإسلامية” ومواقعها في سورية والعراق تراجعت منذ بدء الحرب في اليمن ضد التحالف “الحوثي الصالحي”، لأن مياها كثيرة مرت تحت الجسر منذ بدء تلك المساهمة، وسط ضجة إعلامية استعراضية غير مسبوقة.
منذ مشاركة دول خليجية في غارات “عاصفة الحزم” في اليمن، التي بدأت قبل ثمانية أشهر تقريبا، تغيرت الكثير من المعادلات السياسية والعسكرية، وبدأ المشهد اليمني يتغير بصورة متسارعة، وعلى عكس ما كانت تتوقعه منظومة دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
وليسمح لنا العميد الركن أحمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف العربي أن نختلف معه في قوله أن هذه القوات “أنجزت ما فشل فيه حلف الناتو في أفغانستان”، في تصريحات نشرتها أمس صحيفة “الوطن” السعودية، وأضاف أن القوات الأمريكية وحلف الناتو المكون من 28 دولة مكثوا في أفغانستان 11 عاما، ولم يحققوا ما حققه التحالف في سبعة أشهر”.
وكنا وما زلنا نتمنى أن يسرد لنا العميد عسيري الانجازات التي تحققت في اليمن ولا نعرفها، اللهم إلا إذا كان حصار وقصف وتجويع خسمة وعشرين مليون يمني لأكثر من ثمانية أشهر هو انجاز عسكري كبير.
***
بالأمس بثت وكالة الأنباء الفرنسية، هي ليست تابعة للمجوس والصفويين حتما، تقريرا عن الوضع العسكري في اليمن (لم تبثه فضائيات عاصفة الحزم ولم تتطرق إليه صحفها) قالت فيه، أن قوات الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح تتمركز حاليا في جبل اليأس، المطل على قاعدة العند الجوية في محافظة لحج المجاورة لعدن، حيث ترابط قوات سودانية، كما سيطرت على مدينة دومت، ثاني أكبر مدينة في محافظة الضالع بعد ساعات من حصارها، مثلما استولت على مدينة ذباب القريبة من مدخل باب المندب، ومقر اللواء 117 التي سقطت في يد التحالف السعودي قبل شهر فقط”.
نعم قوات التحالف السعودي لم تستعد مدينة تعز، ولا مدينة مأرب، أما مدينة عدن التي “حررتها” أصبحت في قبضة تنظيمي “الدولة الاسلامية” والقاعدة، وتأخرت كثيرا في اقتحام العاصمة صنعاء، وربما لا تدخلها مطلقا بسبب الخسائر الضخمة المتوقعة نتيجة لحرب العصابات التي استعد خصومها لخوضها، واستنزاف قوات التحالف في حرب طويلة جرى التخطيط لها مسبقا.
التحول الأهم في حربي قوات التحالف الأمريكي في العراق وسورية ضد “الدولة الإسلامية”، والتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، هو نجاح القوات المستهدفة في “امتصاص” صدمة القصف الصاروخي الجوي، وكثافة الغارات والتعود عليها، وتطوير قدرات وخبرات حول كيفية التعاطي معها، وتقليص حجم أضرارها، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبعته حركة “طالبان” في أفغانستان، وعدم استسلامها رغم وجود أكثر من خمسين ألف جندي من قوات الناتو على الأرض، وأربعة أضعاف هذا الرقم من الجنود الأفغان، علاوة على قصف جوي مستمر لأكثر من 14 عاما.
القاعدة العسكرية الذهبية التي يحفظها الدارسون في الأكاديميات العسكرية الغربية، عن ظهر قلب، تقول “أن الأرض تحارب مع أصحابها”، ولا بد أن العميد عسيري وهو الذي تخرج من أحد هذه الأكاديميات، يعي جيدا ما نقول، فاليمن كانت وستظل مقبرة للغزاة، مثلما قال الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة، في وصيته لأبنائه وأحفاده.
وإذا وضعنا امتصاص “الصدمة الجوية” جانبا وتحول الغارات الجوية إلى عبء لأنها باتت تعطي نتائج عكسية (قتل المدنيين وعدم وجود بنك أهداف في أفقر بلد في العالم يحارب يحابر من قبل أغناها)، فان هناك أحاديث وتسريبات قوية حول وجود خلافات “مكتومة” بين دول التحالف حول كيفية إدارة هذه الحرب، ونظرة كل دولة تجاه الأخرى التي باتت تقاتل معها تحت مظلة واحدة في اليمن، فالإمارات تنظر بعين الشك إلى الدور القطري، وقطر تبادلها الشك نفسه، فالأولى تخشى أن تصب نتائج هذه الحرب في مصلحة حلف الإصلاح اليمني الإخواني، والثانية قلقة من التقارب الإماراتي السعودي وتعتقد أنه على حسابها، قد يأتي.
نقطة أخرى يجري الحديث عنها في الأوساط الخليجية، وهو وقوف قطر والسعودية وتركيا في خندق يطالب بإطاحة الرئيس الأسد ونظامه، بينما تقف الإمارات والكويت في الخندق الروسي، جنبا إلى جنب مع إيران (دون تنسيق) ومصر من حيث التركيز وإعطاء الأولوية) على حرب القضاء على “الدولة الإسلامية” أولا، وقبل أي حديث عن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي من الزوار الدائمين لموسكو هذه الأيام.
ثم هناك نقطة خلافية أخرى بين دول التحالف تتعلق بمستقبل اليمن نفسه، فهل سيظل موحدا، أم أنه سينتهي بالتقسيم، ومن سيحكم الشمال، ومن سيحكم الجنوب، ومن سيحكم الشرق، ومن سيحكم الغرب، ومن سيحارب “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”، وما هو مصير حضرموت؟
لا احد يملك إجابات في هذا الصدد، ولا نعتقد أن أحدا سيملكها قريبا.
معلوماتنا تفيد بأن دول التحالف العربي وصلت إلى قناعة بأن الجنوب لا يمكن أن يعيش مع الشمال، ولا بد من الانفصال، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، وبريطانيا وأمريكا تضغطان بدور للإسلاميين في العملية السياسية ليس في اليمن فقط، وإنما في ليبيا والعراق ومصر وسورية، لأن هذا هو الطريق الأقصر لتنفيس حالة الاحتقان الراهنة في هذه الدول، متفرقة أو مجتمعة.
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كلف السيد عبد الملك المخلافي برئاسة وفده إلى مفاوضات جنيف التي من المفترض أن تعقد الأسبوع المقبل بمشاركة وفدين الأول يمثل الحوثيين والثاني، حزب المؤتمر الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبهدف التوصل إلى حل سياسي للازمة.
***
اجتماعات الحوار الوطني لتسوية الأزمة اليمنية، بعد الإطاحة بالرئيس صالح ونظامه، استمرت أكثر من ثلاثة أعوام، وتمخضت عن مشروع بتقسيم اليمن إلى ست محافظات وانتخاب الرئيس هادي من قبل البرلمان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن اليمن انتهى إلى ما نراه حاليا من انهيار وحروب، زادها زحف الحوثيين إلى صنعاء وعدن من ناحية، و”عاصفة الحزم” من ناحية أخرى تعقيدا وتفاقما.
من يتمعن في تصريحات العميد عسيري، ويقرأ ما بين سطورها، يخرج بانطباع مفاده أن “عاصفة الحزم” لم تبدأ إلا قبل سبعة أشهر فقط، مقارنة بتدخل حلف الناتو الذي استمر 14 عاما، مما يعني أنه يبشر أهل اليمن واهل السعودية معا، بأن عليهم التحلي بالصبر فالحرب ما زالت في بدايتها.
فإذا كان الأمريكان وحلف الناتو ارتكبوا خطأ بغزوهم كل من أفغانستان والعراق، فقد كان الأولى أن تتعظ القيادة السعودية من هذا الخطأ، وتتجنب التورط في المصيدة اليمنية، وجر دول خليجية عربية أخرى إليها.
أمريكا تتفاوض حاليا مع “الطالبان” لعودتهم إلى الحكم مقابل انسحاب آمن لقواتها، فهل علينا أن ننتظر 14 عاما حتى تفعل قوات التحالف العربي والسعودية الشيء نفسه، وتتفاوض مع التحالف “الحوثي الصالحي” لتسليمه السلطة؟
نترك الإجابة للعميد العسيري وقيادته وأولياء أمره.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2015/11/11