ماذا يعني فشل آخر “مبادرة” للمبعوث الدولي لتقسيم حلب على غرار برلين؟
عبد الباري عطوان ..
أخيرا، وبعد غياب طال أكثر من شهرين تقريبا، ظهر المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا في دمشق، والتقى السيد وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، حاملا اقتراحا بإقامة منطقة “حكم ذاتي” في حلب الشرقية حقنا للدماء، في مقابل انسحاب مقالتي “جبهة النصرة” منها، والانتقال إلى مدينة إدلب، أو أي مناطق أخرى يتم الاتفاق عليها.
المبعوث الدولي تقدم بهذا الاقتراح “المعدل” بعد حالة الغضب التي سادت المعارضة السورية، خاصة تلك المقيمة في الرياض، اثر تصويبا لآخر، طالب فيه مقالتي جبهة “فتح الشام” بمغادرة حلب الشرقية إلى مناطق آمنة خارجها بأسلحتهم، وأعرب عن استعداده لمرافقتهم شخصيا، ولكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض، وفوقه مطالبات بفصله من منصبه باعتباره “عميلا” للنظام السوري.
السيد وليد المعلم عقد مؤتمرا صحافيا بعد لقائه بالمبعوث الدولي مباشرة، أعلن فيه رفض الإدارة أو الحكم الذاتي في شرق حلب، واتهم الأمم المتحدة بـ”مكافأة” الإرهابيين، وقال إنه لا توجد حكومة في العالم تسمح بذلك.
***
وهكذا أصبح دي مستورا “منبوذا” من طرفي المعادلة السورية، السلطة والمعارضة، وقد تكون زيارته هذه الأخيرة إلى دمشق، لأن الحليفين الروسي والسوري قررا حسم الوضع في حلب عسكريا وبأسرع وقت ممكن من خلال قصف جوي مكثف مدعوما بتقدم القوات السورية على الأرض، وهذا ما يفسر حالة التعتيم الإعلامي المتعمد فيها وتواتر الأنباء عن قصف مدفعي متبادل وسقوط عشرات الضحايا.
استيلاء التحالف الروسي السوري الإيراني على حلب بات مسألة وقت، تماما مثلما هو الحال في الموصل، وهذا ما يفسر عودة الحديث بقوة حول مسألة إعادة الإعمار، وعقد مؤتمر في دمشق أو القاهرة يجمع معارضي الداخل والخارج “المعتدلين”، أو ما تطلق عليه الحكومة السورية “المعارضة الوطنية”، وقد رحب السيد المعلم بمثل هذا المؤتمر الذي تشجع عليه القيادة الروسية، وتقدم تعهدات بتأمين حماية جميع شخصيات المعارضة المتواجدة في الخارج في حال ذهابها إلى دمشق.
المعارضة “الوطنية” السورية ستفاوض الحكومة للحصول على إصلاحات سياسية واقتصادية، ودستور جديد، وانتخابات برلمانية ورئاسية، ولكنها لن تجرؤ على المطالبة بإسقاط النظام، أو تغييره، وستعلق كل آمالها على دور “الكفيل” الروسي لممارسة ضغوط لتطبيق هذه الإصلاحات، التي نتمنى أن تكون جدية، وتؤسس لسورية جديدة مختلفة وديمقراطية ومصالحة تداوي الجروح، وتكرس التعايش.
***
مبادرات “التفافية” عديدة سنسمع عنها ونقرأ تفاصيلها على غرار مبادرة “كفى” التي يروج لها حاليا نائب حلب السابق في مجلس الشعب السوري، المحامي انس الشامي، التي تنص على خروج “الغرباء” من الأحياء الشرقية، مقابل عدم دخول أي قوات سورية أو غير سورية، والاكتفاء بدخول الشرطة، وعودة مؤسسات الدولة السورية الحزبية، على أن تبدأ مفاوضات لاحقا بين الحكومة وممثليها ونظرائهم في المعارضة للتوصل إلى تسوية، أي التمهيد لإدارة شبة ذاتية، ولا نعتقد أن هذه المبادرة ستكون مقبولة من حكومة تؤمن بأنها منتصرة على الأرض، وترفض أي تنازل عن سيادتها لمعارضة مسلحة تصفها بالعمالة والإرهاب.
انتهى زمن المفاوضات خاصة في مرحلة انتقالية أمريكية يستغلها التحالف الروسي السوري الإيراني لحسم الأزمة عسكريا، ابتداء من حلب، وليس أمام القوى التي حرضت المعارضة وسلحتها، ووعدتها بإسقاط النظام على مدى السنوات الخمس الماضية غير الإدانة عن بعد بـ”الروموت كونترول”، وتحسس رأسها، والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/11/21