أردوغان يهدد أوروبا بفتح “أبواب جهنم” وإرسال ثلاثة ملايين لاجيء سوري إلى حدودها..
عبد الباري عطوان ..
أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الطلقة الأولى والأهم في الحرب النفسية الباردة التي يشنها حاليا ضد دول الاتحاد الأوروبي عندما هدد اليوم “الجمعة” بفتح الحدود التركية أمام اللاجئين الراغبين بالتوجه إلى أوروبا، كرد على تصويت البرلمان الأوروبي بالأغلبية الساحقة على قرار بتجميد مؤقت لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد.
وواصل الرئيس التركي التحدي عندما أكد أنه سيوقع على قانون تطبيق أحكام الإعدام في حق من تورطوا في الانقلاب العسكري الأخير، في حال إقراره من قبل البرلمان، وهي عقوبة يشترط الاتحاد الأوروبي عدم العمل فيها في أي دولة تريد الانضمام إليه.
تهديد أردوغان الواضح والصريح باستخدام اللاجئين كسلاح قوي في حربه ضد أوروبا، يعني إلغاء الاتفاق الذي توصل إليه مع الاتحاد الأوروبي بمنع تدفق اللاجئين عبر تركيا إلى دول الاتحاد، مقابل السماح للمواطنين الأتراك بالتنقل بحرية في أوروبا دون الحاجة إلى تأشيرات دخول “فيزا”، وفوق ذلك ستة مليارات دولار للخزينة التركية كتعويضات مالية.
***
يتواجد حاليا حوالي ثلاثة ملايين لاجيء سوري على الأراضي التركية، ويمكن أن يتضاعف هذا الرقم في حال تخلي تركيا عن اتفاقها مع أوروبا، وسمحت بقدوم المزيد من حلب والرقة والموصل، ومثلما سمح الرئيس أردوغان باستخدام الأراضي التركية كممر للجهاديين المتوجهين إلى سورية والعراق للقتال في صفوف “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة”، ومئات الفصائل الأخرى، ومليارات الدولارات لتمويلهم وتسليحهم، فإنه الآن قد يعكس الآية ويسمح للمهاجرين وربما المسلحين، بالتوجه إلى أوروبا.
ردود فعل الأوروبيين تجاه هذه التهديدات تبدو فاترة حتى الآن، فالسيدة أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية اعتبرتها بلا قيمة، بينما قالت فرنسا “إن التهديدات والمزيدات لا طائل منها”.
من المفارقة أن تركيا عضو مؤسس في حلف “الناتو” الذي يضم معظم الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ويشعر الرئيس التركي أن هذا الحلف خذله ولم يقف إلى جانبه، أثناء توتر علاقات بلاده مع موسكو إثر إسقاط مقاتلاته طائرة سوخوي روسية قرب الحدود السورية، إلى جانب دعم الحلف للأكراد، وانتقادات الاتحاد الأوروبي لحملة الاعتقالات الواسعة التي جرت في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل، وشملت 30 ألفا ما زالوا قيد الاعتقال، علاوة على طرد أكثر من مئة ألف موظف بتهمة التعاطف أو الانتماء إلى “حركة الخدمة” التي يتزعمها فتح الله غولن الإسلامية المتهمة بدعم الانقلاب.
الأمر المؤكد أن تهديدات أردوغان هذه أربكت الاتحاد الأوروبي وقيادته، للحساسية القصوى التي تتسم بها مسألة الهجرة بالنسبة إليهم، وربما نصب هذه التهديدات في خدمة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتسم سياساتها بالعداء للإسلام والمسلمين، وتجد من فوز الرئيس اليميني العنصري دونالد ترامب الذي وصل إلى هذا الفوز عبر المعاداة للإسلام والهجرة في الوقت نفسه، دعما ونموذجا، ومصدر تفاؤل بالفوز في الانتخابات، وفي فرنسا وألمانيا الوشيكة خاصة.
لا نعتقد أن الأوروبيين سيقفون مكتوفي الأيدي في مواجهة
هذه التهديدات الأردوغانية، ولا نستبعد أن يكونوا قد وضعوا خططا لمواجهة أي استخدام لورقة اللاجئين كسلاح ضدها، سواء بمنع هؤلاء من التسلل إلى داخل حدود بلادهم، أو فرض عقوبات على تركيا، وربما يذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك وهو دعم خصومها بالمال والسلاح، ونحن نتحدث هنا عن الأكراد، الأتراك أو السوريين.
***
الرئيس أردوغان يقاتل حاليا حزمة من الأعداء، وعلى العديد من الجبهات في الوقت نفسه، فهو يقاتل الأكراد في سورية، وشرق تركيا، ويتوغل في الأراضي السورية ويصطدم بالنظام في دمشق، ويخوض حربا ضد أخطر تنظيمين متهمين بالإرهاب، وهما “الدولة الإسلامية” و”حزب العمال الكردستاني الانفصالي”، ويتحدى النظام العراقي، ولا يخفي أطماعه في الموصل، وعلاقاته التجارية والسياسية مع إيران في تراجع، والدولة الوحيدة التي يمكن القول أن علاقته جيدة معها في دول الجوار هي دولة الاحتلال الإسرائيلي.
هل يستطيع الرئيس أردوغان أن يخوض كل هذه الحروب في الوقت نفسه وينتصر فيها، أو لا يخسرها؟ نشك في ذلك، فتركيا دولة قوية، ولكنها ليست دولة عظمى.
لا نعرف ماذا يخفي الرئيس أردوغان من حيل في أكمامه، يظهرها في اللحظة الأخيرة، ولكننا لا نستبعد إقدامه على المقامرة الأكبر في حياته السياسية، أي الخروج من حلف “الناتو”، والانضمام إلى التحالف الروسي، فهل يفعلها، أم سيتراجع في نهاية المطاف مثلما تراجع عن الكثير من المواقف التي اعتقد البعض أنها إستراتيجية وراسخة، وآخرها الصلح مع تل أبيب، وتقديم سلسلة من التنازلات للمصالحة مع صديقه القديم الجديد فلاديمير بوتين.
الرئيس أردوغان مثل النمر الجريح يخبط في جميع الاتجاهات.. ومحاط بالكثير من الأعداء الذين ينتظرون سقوطه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/11/26