معركة حلب تقترب بسرعة من نهايتها إن لم تكن انتهت فعلا..
عبد الباري عطوان ..
عندما تُبادر المعارضة السورية المسلحة في حلب الشرقية، وتنخرط في مفاوضات مباشرة مع قيادة الجيش السوري عبر هيئة الصليب الأحمر الدولي، وتعرض هدنة من خمسة أيام لوقف شامل لإطلاق النار من أربعة بنود، أبرزها إخلاء الحالات الطبية الحرجة التي تحتاج إلى عناية عاجلة، وإجلاء المدنيين الراغبين في مغادرة حلب، فإن هذا هو قمة العقل والحكمة، وتقليص للخسائر، وإنقاذ أكثر من مئة ألف مدني محاصرين من الموت جوعا، أو تحت الأنقاض، بسبب القصف، أو برصاص المتقاتلين وشظايا قذائفهم.
إنها مؤشرات تؤكد قرب نهاية الحرب في حلب، أو النهاية بحد ذاتها، ودون أي مواربة أو تلاعب بالألفاظ، فالخيار الوحيد هو القتال حتى الموت، إما انتظار الدعم الخارجي، أو التدخل الدولي المأمول والمنتظر من قبل الحلفاء العرب والغربيين بات سرابا دون أي جدوى، فلا أحد يريد أن يرسل جنديا واحدا، أو طائرة حربية واحدة، لأن هذا يعني الدخول في مواجهة مع الروس ربما تكون مكلفة جدا على الصعد كافة.
***
جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي يقضي أيامه الأخيرة في منصبه قالها قبل ستة أشهر، وعلى هامش مؤتمر لدعم المعارضة السورية انعقد في لندن.. قالها لمعارض سوري أراد تحديه وإحراجه بسؤاله عن عدم التدخل الأمريكي بشكل أكبر في الأزمة السورية وحماية المدنيين، هل “تريدنا أن ندخل في حرب عالمية ثالثة ضد الروس من أجلكم”، ومن المفارقة أن الرئيس باراك أوباما جدد معارضته لتدخل بلاده عسكريا في العراق، وحمل هذا الغزو المسؤولية عن صعود “الدولة الإسلامية”، وحالة عدم الاستقرار في المنطقة.
المعارضة السورية بشقيها المتطرف والمعتدل لم تستوعب هذه الرسالة ومضمونها في حينها، واستمرت في الرهان على واشنطن وحلفائها العرب، والسعودية خاصة، التي اتهمها السيد ميشال كيلو السوري المعروف في تسريب منسوب إليه، ولم ينفه، “بأنها لا تعرف الديمقراطية ولا حقوق الإنسان، مثلما لا تملك حسا عروبيا أو إسلاميا وأنها وحلفاءها في دول الخليج الأخرى تريد تدمير سورية وليس إقامة نظام ديمقراطي فيها”.
نتمنى أن تتجاوب الحكومة السورية إيجابيا مع عرض الهدنة هذا، وتسمح بجلاء جميع المدنيين الراغبين بالمغادرة إلى مناطق آمنة، وتقديم كل المساعدات الطبية للمصابين والمرضى الذين هم في حاجة إليها، وأن تقدم الضمانات للمسلحين بالأمان، وتسوية أوضاعهم على غرار ما فعلت مع آخرين في مناطق أخرى، وقرروا الاستفادة من العفو الرئاسي وإلقاء السلاح.
محافظة إدلب التي كان يتوجه إليها المسلحون بسلاحهم الفردي في تسويات سابقة، لم تعد آمنة، وتواجه قصفا جويا مستمرا، وغير متوقف، ومن المتوقع أن يتضاعف ويزداد كثافة بعد الانتهاء من معركة حلب، ولذلك ربما تكون محاولة الذهاب إليها مخاطرة كبيرة لأنها لن تعد ملاذا آمنا.
حتى تركيا التي لعبت حكومتها دورا كبيرا في تضليل السوريين وتحريضهم على حمل السلاح، متعهدة بإسقاط النظام، كانت أول من خذلهم، وتخلى عنهم، وأغلقت الحدود في وجوههم، في إطار تفاهمات مع روسيا بعد قبولها بمصالحة مذلة مع موسكو.. السيد بن علي يلدريم رئيس الوزراء صرح اليوم، وبعد لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين “أن التدخل العسكري التركي في سورية لا يهدف إلى إسقاط النظام في دمشق، وغير مرتبط بالوضع في حلب، والهدف منه هو القضاء على “الدولة الإسلامية”.
أنه تراجع آخر مهين أمام الضغوط والتهديدات الروسية عن تصريحات سابقة أدلى بها الرئيس رجب طيب أردوغان قبل أسبوع، وقال فيها “إن قواته التي توغلت في شمال سورية ستواصل زحفها حتى إسقاط النظام في دمشق”.
***
من حق المعارضة السورية أن تنتقد النظام وبعض ممارساته، وأن تطالب بإصلاحيات سياسية جذرية، ولكنها مطالبة في الوقت نفسه بإجراء مراجعات جذرية متعمقة حول الأسباب التي أوصلتها إلى هذا الوضع المأساوي، وأبرزها خذلان حلفائها في منطقة الخليج العربي وتركيا وأمريكا، وكل الدول الغربية المنافقة.
نناشد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا نستبعد أن يكون على رأس المحتفلين في قلعة حلب بنهاية الحرب فيها، وعودتها إلى السيادة السورية، أن يصدر تعليماته إلى قياداته العسكرية والأمنية بالرأفة بكل المعارضين الذين يلقون السلاح ويريدون العودة إلى حضن الوطن، وحسن معاملتهم، وحفظ كبريائهم، وتسوية أوضاعهم، والترفع عن كل النزعات الانتقامية والثأرية، تماهيا مع إرثنا الإسلامي العظيم وأمثلته المشرفة في هذا المضمار، وما أكثرها.
سورية أكبر من الجميع وستظل، وتجربة السنوات الست الماضية، وما احتوته من مآسي وسفك دماء الأبرياء من الجانبين، ونكرر بأنهم جميعا أهلنا، يجب أن تكون درسا للسوريين والعرب جميعا، أول فصوله عدم الرهان مطلقا على أمريكا والغرب وكل العرب الذين يسيرون في ركبهم، وينفذون أجنداتهم الكارهة والحاقدة على العرب والمسلمين.
الم يحن الوقت لاستخلاص الدروس والعبر، وحتى متى سنظل نكرر هذه الإبجديات؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/08