هل التبرؤ من تصريح جونسون عن الحروب السعودية وإيران يحقق الصفح السعودي؟
عبد الباري عطوان ..
تشهد بريطانيا هذه الأيام ضجة سياسية وإعلامية غير مسبوقة منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومن المفارقة أن سبب هذه الضجة غير المباشر هو المملكة العربية السعودية وإيران وتفسيراتهما “الراديكالية” للإسلام.
بطل هذه الضجة بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني، وعمدة لندن السابق، الذي تزعم معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل ستة أشهر تقريبا، الذي يوصف بأنه “المدفع الفالت”، ولا يحتفظ بسر أكثر من أربعة أيام.
الوزير جونسون شارك في مؤتمر الحوار الأوروبي الذي انعقد قبل عشرة أيام في روما، وفاجأ الحضور بإدانته القوية للسعودية وإيران اللتين تخوضان “حربا بالإنابة” في منطقة الشرق الأوسط، وقال “انهما تحرفان الدين الإسلامي بهدف مواصلة اهدافهما السياسية.. انها واحدة من اكبر مشاكل المنطقة”، وأضاف “لهذا السبب هناك السعوديون والإيرانيون الذين يقومون بتحريك الدمى في المنطقة ويخوضون حروبا بالوكالة” في إشارة إلى سورية واليمن، وأشار “نحن متحالفون مع السعودية وندعم جهودها في حفظ حدودها وأن ادعاء العكس سيشكل تفسيرا سيئا للواقع″.
***
وزير الخارجية البريطاني كان أمينا ونزيها في قول الحقيقة، ولا يستطيع أي أحد أن يجادله في صدقية ما يقول، ولكن المشكلة لا تكمن في الكلام ومعانية، وإنما من قائله، وما هي وظيفته، وفي أي توقيت.
صحيفة “الغارديان” البريطانية بثت تسجيلا كاملا لأقوال الوزير جونسون، على موقعها الالكتروني في الوقت الذي كان زعماء السعودية ودول الخليج يفرشون السجاد الأحمر للسيدة تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، التي حلت ضيفة شرف على القمة الخليجية، وتعهدت في خطابها الذي ألقته أمام هؤلاء الزعماء، ونزل بردا وسلاما على قلوبهم، بأنها “ستدعمهم في مواجهة العدوانية الإيرانية التي تهددهم وسترسخ شراكة إستراتيجية معهم”.
والمفارقة الأخرى أن الوزير جونسون سيطير غدا إلى الرياض في زيارة رسمية إلى المملكة، هي الأولى من نوعها منذ توليه منصبه الجديد، حيث من المقرر أن يلتقي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في إطار مهمته لتعزيز العلاقات بين البلدين.
السيدة ماي رئيسة الوزراء سارعت، وعلى لسان متحدثة باسمها إلى التبرؤ من تصريحات وزير خارجيتها، وقالت إنه لا يعبر عن سياسة الحكومة عندما قال إن السعودية وإيران تشعلان حروبا بالوكالة في المنطقة ويسيئان استخدام الدين.
فإذا كان وزير الخارجية البريطانية لا يمثل رأي حكومة هو عضو مهم فيها، ويتزعم دبلوماسيتها، ويشرف على سياستها الخارجية، وكيفية تنفيذها، ويدير أكثر من مئتي سفارة لها في العالم، فمن يمثلها إذا؟
ما قاله الوزير جونسون يعكس رأي أغلبية كبيرة من البريطانيين، ولكن الحقيقة شيء والمصالح التجارية شيء آخر مختلف تماما في نظر السيدة ماي رئيسته، لأنها ترى أن الدبلوماسية هي فن الكذب، وتجنب الحقائق إذا كانت تؤثر سلبا على المصالح.
رئيسة وزراء بريطانيا ذهبت إلى الخليج “كسيدة مبيعات”، وبهدف إيجاد أسواق بديلة للبضائع البريطانية تعوض الأسواق الأوروبية التي تستوعب نصف الصادرات البريطانية الخارجية، وليس هناك أفضل من دول الخليج الست الثرية جدا في هذا المضمار.
في أوائل الثمانينات من القرن الماضي زارت السيدة مارغريت تاتشر المرأة الحديدية الرياض، ولبست العباءة وغطاء الرأس، أثناء لقائها العاهل السعودي في حينها الملك فهد بن عبد العزيز الذي تغزل فيها وجمالها في قصيدة “نبطية”، كانت محل إعجاب الكثيرين من المحيطين به، ونشرت في بعض الصحف في حينها، وقد التقيت السيدة تاتشر قبل قيامها بتلك الزيارة، وعادت من الرياض فائزة بالقصيدة وما احتوته من إطراء، وصفقة أسلحة “اليمامة” التي بلغت قيمتها 72 مليار دولار، وتضمنت طائرات تورنيدو وهوك الحربيتين، وعقود تدريب وقطع غيار.
***
السيدة ماي تلميذة الراحلة تاتشر تريد السير في الطريق نفسه، وتأمل أن توقع صفقات أسلحة مماثلة على غرار ما فعلت أستاذتها، وما فعله فرانسوا هولاند، رئيس فرنسا الذي كان ضيف شرف القمة الخليجية السابقة، وحظي بالحفاوة نفسها، وقدم التعهدات نفسها بدعم دول الخليج في مواجهة إيران، وعرقلة الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست العظمى بكل الوسائل.
من المفارقة، ونقولها للمرة الثالثة، أن الرئيس هولاند كان أول رئيس أوروبي يزور طهران بعد توقيع الاتفاق النووي، سعيا لتوقيع صفقات تجارية معها توقعا لرفع العقوبات الاقتصادية عنها.
نختم بالقول، وباختصار شديد، إننا كعرب أصبحنا “أضحوكة” في نظر الآخرين، وبقرة حلوب يكرعون حليبها حتى الثمالة، وكل ما يقدمونه في المقابل هو بعض الكلمات الإنشائية المصاغة بعناية حول الدعم والمساندة في مواجهة عدوانية “البعبع″ الإيراني.
شكرا لبوريس جونسون الذي أسقط أقنعة النفاق الواحد تلو الآخر، بكلماته العفوية الصادمة والمعبرة عن واقع عربي ودولي مؤلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/09