لماذا صمت الذين توعدوا بإسقاط الرئيس الأسد وهم يرون مأساة حلب تتفاقم؟
عبد الباري عطوان ..
من حق بعض السوريين أن يوجه غضبه نحو الرئيس بشار الأسد وحكومته، ولكن الغضب الأكبر في رأينا يجب أن يتوجه إلى الدول والقنوات التلفزيونية التي حرضت على الفتنة، وقلبت الحقائق، وضللت الشعب السوري، ودعته إلى الثورة، وسلحته، ووعدته بإسقاط النظام في أشهر معدودة ثم تخلت عنه، ووقفت تتفرج على ما حصل في حلب، وهي تملك الجيوش والطائرات الأمريكية الحديثة.
هذه الدول تحاول أن تبريء نفسها من الجريمة التي ارتكبها في حق سورية وشعبها على مدى ست سنوات، وتتباكى بكاء المنافقين على الضحايا والجرحى والمهجرين، وهي التي رفضت استقبال لاجئ سوري واحد على أراضيها.
ندرك جيدا أنهم يملكون إمبراطوريات إعلامية ضخمة، وجيوش الكترونية جبارة على وسائط التواصل الاجتماعي، ولكن هذا لن يدفن الحقائق حول دورهم، الرئيسي المشبوه، في تدمير المنطقة العربية، وبذر بذور الفتنة الطائفية، وشن حرب دموية في اليمن، وقتل الآلاف من أبنائه وتجويع الملايين منهم.
استعادة الجيش السوري لمدينة حلب، وخروج المقاتلين منها، وهم يتفرجون، ولم ينطقوا بكلمة تضامن واحدة مع أهلها، وتركوا النواح والبكاء لأجهزتهم الإعلامية، ودسوا رؤوسهم في التراب.
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لم يتطرق إلى حلب، ولم ترد على لسانه كلمة “سورية” في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الشورى، ولم يصدر تصريحا واحد عن وزير خارجيته عادل الجبير، الذي كان يردد ليل نهار، وفي كل المناسبات أن الرئيس الأسد يجب أن يتنحى سلما أو حربا، انه الرعب مما هو قادم.
الشعب السوري تعرض إلى أكبر خدعة في التاريخ، عندما وورطوه في مؤامرة لتدمير بلده، وقتل مئات الآلاف من أشقائه على جانبي الخط السياسي، وهم آخر من يحق لهم الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الرئيس بشار الأسد يتحمل المسؤولية أيضا عما حدث ويحدث في بلاده، واعترف بحدوث تجاوزات وأخطاء وجرائم، وهذا الاعتراف موثق، ولكن مسؤولية من ورطوا الشعب السوري في بحر الدماء هذا لأحقاد شخصية، ونزعات ثأرية، يتحملون مسؤولية أكبر، لأنهم تدخلوا في شؤون دولة عربية، وأشعلوا نار الحرب فيها، وهم الذين كانوا، وما زالوا، يرفضون تدخل أي أحد في شؤونهم.
ندرك جيدا أن معركة حلب انتهت، ولكن الحرب لم تنته في سورية، فهناك معارك عديدة قادمة، مثل إدلب والرقة والباب وغيرها، ولكن الخذلان التي عاشه، ويعيشه الشعب السوري من قبل هؤلاء الذين تخلوا عنه في أكثر أوقاته صعوبة، وتركوه يواجه قدره في حلب وحده، يشكل وصمة عار في جبين هؤلاء وكل من راهنوا عليهم.
يوما بعد يوم تكشف لنا أمريكا وحلفاؤها مدى كراهيتهم لكل ما هو عربي ومسلم، وتثبت أن كل تدخلاتها العسكرية هي لتمزيق هذه الأمة، وبذر بذور الفتن الطائفية في صفوفها، وإشعال نار حروب يكون العرب والمسلمون هم وقودها.
من تدخل في الشأن السوري، وضخ آلاف الأطنان من الأسلحة والعتاد والمليارات من الدولارات، هو الذي يجب أن يدفع فاتورة الإعمار كاملة، وثمن جرائمه في سورية، ويتحمل الكثير من المسؤولية عن سفك دماء الشهداء والقتلى والجرحى.
طالبنا، وسنظل نطالب، بالديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان للشعب السوري، وعانينا الكثير من النظام، في وقت كانت هذه الأنظمة التي تدعي الحرص على هذا الشعب ترتعد خوفا منه، وتفرش السجاد الأحمر لقادته الذين يصفونهم اليوم بالطغاة.
الأمة العربية وشرفاؤها، والشعب السوري نفسه يعرف جرم هؤلاء، وسيأتي يوم الحساب لكل من سفك دم، أو ساعد في سفك دم إنسان وطفل سوري، كما أن هذه الأمة العظيمة لن تنسى مطلقا أولئك الذين سفكوا، أو تواطأوا مع سفاكي دماء الأشقاء اليمنيين.. وسيدفعون ثمن جرائمهم ضد الإنسانية غاليا.
سورية ستنهض من كبوتها، وشعبها سيتصالح فيما بينه، وسيتجاوز كل المحن، تماما مثلما حصل في كل الحروب الأخرى في المنطقة، والمعارضة السورية بدأت الخطوة الأولى في هذه المسيرة بقبولها التفاوض مجددا.. وبعد أن يهدأ الغبار في يوم ما، ونأمل أن يكون قريبا، وسيتم الالتفاف إلى رؤوس الفتنة، والمحرضين على الدمار والخراب، لن نخاف.. ولن نصمت.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/16