اغتيال السفير الروسي في قلب أنقرة الخطورة تكمن في كون منفذها رجل أمن تركي..
عبد الباري عطوان ..
اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندرية كارلوف بثماني رصاصات أطلقها رجل أمن تركي كان يردد بصوت عال “حلب” و”الانتقام”.. و”الثأر” ويكبّر “الله أكبر.. الله أكبر”، مع كل رصاصة يطلقها من بندقيته، فإن هذا الاغتيال، وبالطريقة التي جرى تنفيذه عبرها، يلخص محنة تركيا، ومحنة المنطقة بأسرها، وما يمكن أن تواجهه في الأشهر والسنوات المقبلة.
هذه الرصاصات التي قتلت السفير الروسي هي رسالة احتجاج من قطاع في المجتمع التركي لا نعرف حجمه على وجه الدقة، ضد التقارب الروسي التركي المتصاعد الذي أدى إلى حدوث تغيير “شبه جذري” في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية، تمثل في عدم التدخل عسكريا لنصرة المعارضة المسلحة في حلب الشرقية، ومشاركة أكبر من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته وأجهزتها الأمنية في الحرب ضد الجماعات الإسلامية المتشددة في سورية والعراق.
***
السفير كارلوف ليس سفيرا عاديا، ولعب دورا كبيرا في التقارب التركي الروسي في الأشهر الماضية، ويوصف بأنه “مهندس″ الاتفاق الذي أدى إلى إخراج المسلحين من حلب الشرقية، وضابط الاتصال بين حكومته الروسية ونظيرتها التركية، ويملك خبرة دبلوماسية تمتد إلى أكثر من ثلاثين عاما، ولذلك فان الخسارة التركية ستكون كبيرة باغتياله، وفي هذا التوقيت بالذات.
أن يقدم رجل امن تركي في العشرين من عمره على عملية الاغتيال هذه، كاشفا عن ميوله “الجهادية” وتشدده الإسلامي، فهذا يؤكد وجود اختراق كبير للجماعات المتطرفة للمؤسستين العسكرية والأمنية في تركيا، وربما وجود خلايا نائمة في ثناياهما، وجاهزة لتنفيذ عمليات تفجير واغتيال لاحقا، الأمر الذي سيشكل قلقا كبيرا للحكومة التركية، وفي وقت تواجه فيه تفجيرات إرهابية من عدة جهات، بعضها إسلامي متطرف، وبعضها الآخر كردي داخلي وخارجي.
من المؤكد أن هذه الرصاصات التي اغتالت السفير الروسي سيكون لها تأثير سلبي محدود على العلاقات الروسية التركية، ولكن من غير المستبعد أن تزيد من درجة التقارب بين البلدين، خاصة في الملف السوري.
ربما يكون مفهوما أن يقدم متشددون سوريون على أعمال تفجير واغتيال في العمق التركي احتجاجا على عدم إيفاء الرئيس التركي بوعوده، والانحياز إلى المسلحين المحاصرين في حلب الشرقية، ولكن أن يقوم بعملية الاغتيال هذه، رجل أمن تركي في العشرينات من عمره، فأن هذه ظاهرة مقلقة جدا للحكومة التركية، خاصة أن السيد مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية كان من المقرر أن يطير مساء اليوم الاثنين إلى موسكو للمشاركة في اجتماع ثلاثي مع نظيريه الروسي والإيراني لوضع مخططات للقضاء على الجماعات “الجهادية” في سورية، وترتيب مفاوضات، تحت مظلة الدول الثلاث، بين الحكومة السورية والمعارضة المعتدلة للتوصل إلى حل سياسي يقود إلى حكومة وحدة وطنية، وحل سياسي دائم بعيد عن المرجعيات الأمريكية والأوروبية والعربية.
***
خطورة عملية الاغتيال هذه التي وقعت في قلب العاصمة أنقرة، واستهدفت سفير دولة عظمى، تكمن في توجيهها ضربة قوية لصورة تركيا وهيبتها الأمنية، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على اقتصاد البلاد الذي يعاني من تدني معدلات الإنتاج القومي إلى أدنى حدوده منذ عشرين عاما، وارتفاع البطالة، وانخفاض قيمة العملة الوطنية إلى حوالي النصف، أن لم يكن أكثر.
لا نعتقد أن عملية الاغتيال هذه ستؤدي إلى تراجع الرئيس التركي عن تقاربه مع روسيا، وربما يحدث هو العكس تماما، أي أنه سيندفع أكثر نحو موسكو، وينخرط في اتصالات، وربما تنسيق، مع الحكومة السورية لمواجهة الإرهاب الذي يصبح تدريجيا العدو المشترك للبلدين.
قبل ثلاثة أعوام قال الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة غربية أن من يضع عقربا في جيبه عليه أن يتوقع أن يلدغه في يوم ما.. يبدو أن جيب الرئيس أردوغان مليء هذه الأيام بالعقارب والثعابين والعناكب السامة، أو هكذا يعتقد العديد من الخبراء بشؤون المنطقة، ولذلك كثرت اللدغات وتعددت مصادرها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/20