انقلاب متسارع في الموقف التركي في الملف السوري والإقليمي بعد اغتيال السفير الروسي
عبد الباري عطوان ..
الرسالة التي أرادت الجهات التي تقف خلف عملية اغتيال اندريه كارلوف سفير روسيا في أنقرة، ذات شقين: الأول، أمني، أما الثاني فهو سياسي، وهما على درجة كبيرة من الأهمية.
إذا بدأنا بالشق الأمني، فيمكن القول أن الهدف كان الإيحاء، للأتراك، ولدول العالم، بأن تركيا لم تعد بلدا آمنا لأي إنسان، كبيرا كان أم صغيرا، فإذا كان سفير روسيا، الدولة العظمى يمكن الوصول إليه وقتله، على يد رجل أمن فأنه يمكن الوصول إلى أي شخص آخر دون معاناة، وهذا ما يفسر إقدام كل من إيران وروسيا على إغلاق قنصلياتهما في جميع أنحاء تركيا، بينما قلصت بعض الدول الأوروبية عدد العاملين في سفاراتها، وشددت الإجراءات الأمنية حولها.
أما فيما يتعلق بالشق السياسي، فقد كان واضحا أن هدف عملية الاغتيال هذه تخريب العلاقات التركية الروسية، والتقارب المتزايد بين البلدين بعد المصالحة بين زعيميهما رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، وما حصل هو العكس تماما، فقد انعقد اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا في موعده في موسكو بالتوازي مع اجتماع آخر لوزراء الدفاع، وخرج المجتمعون باتفاق حول “خريطة الطريق” تحدد كيفية التعاطي مع الأزمة السورية، وإيجاد حل سياسي لها.
***
كان لافتا غياب أي حضور عربي لهذا الاجتماع، خاصة اللاعبين الأساسيين في الملف السوري طوال السنوات الست الماضية، ونحن نتحدث هنا عن المملكة العربية السعودية ودولة قطر على وجه الخصوص، ويظل السؤال الملح حول عملية الإقصاء هذه لدول ضخت مليارات الدولارات، وعشرات الآلاف من أطنان الأسلحة للمعارضة السورية على مدى ست سنوات يبحث عن إجابة ربما نتعرف عليها، أو ملامحها، في الفترة المقبلة.
البيان المشترك عن الاجتماع الثلاثي، وكشف عن مضمونه سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي في مؤتمر صحافي عقده في ختام الاجتماع شكل تحولا رئيسيا في الأزمة السورية يتمثل في اتفاق الدول المشاركة على إعطاء أولوية قصوى لمحاربة الإرهاب، وليس الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، واستعدادها، أي الدول الثلاث، للمساعدة في التوصل لاتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة، وتوفير الضمانات لتطبيقه.
هذا الكلام يعني أن تركيا على وشك الخروج من المعسكر الأمريكي، أن لم تكن خرجت بالفعل، وباتت على قناعة راسخة بأن وجودها الحقيقي يجب أن يكون في المعسكر الروسي الإيراني، وربما السوري لاحقا، حتى أن صحيفة “يني” التركية المقربة من الرئيس أردوغان، حملت الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية الهجمات الإرهابية التي تستهدف العمق التركي، وتقف خلف عملية اغتيال السفير الروسي خلفها، وخلف منفذيها لزعزعة أمن تركيا واستقرارها.
الحل القادم للازمة السورية سيكون برعاية روسية إيرانية تركية، وكل الصيغ والمظلات السياسية السابقة مثل مفاوضات جنيف وفيينا انقرضت، وتحولت إلى تاريخ، أو هكذا نستشف من تصريحات الوزير لافروف.
فما بعد حلب هو غير ما قبلها تماما، فـ”المنتصرون” هم الذين سيحاولون فرض أجنداتهم، وأجندة روسيا أبرز “المنتصرين” هي اجتثاث الجماعات الإسلامية المتشددة، وخاصة “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، ولا نستبعد أن تكون المعركة الكبرى القادمة في مدينة تدمر التي استعادة السيطرة عليها “الدولة الإسلامية” في ذروة انشغال قوات الجيش السوري وحليفها الروسي في معركة حلب، ثم تأتي بعد ذلك معركة إدلب الكبرى، حيث نجحت الإستراتيجية الروسية في تجميع الجماعات والفصائل الإسلامية المتشددة فيها.
اغتيال السفير الروسي في أنقرة وفر الذريعة للقيادة الروسية للبطش بهذه الفصائل والجماعات، وعدم تقديم أي تنازلات لها، وهذا لا يعني أنها تبحث عن هذه الذريعة، أو أنها كانت أكثر رحمة في التعاطي معها قبل عميلة الاغتيال هذه.
***
روسيا استعادت مكانتها كدولة عظمى في الشرق الأوسط، وباتت اللاعب الرئيسي القوي، وهذا ما أدركته تركيا الرئيس أردوغان وقررت على ضوء ذلك الالتحاق بالقطار الروسي، وفي العربة الإيرانية نفسها، ولذلك لا نستبعد اقتراب تركيا تدريجيا من الحكومة السورية، ووجهة نظرها للتسوية السياسية، أي إقامة حكومة وحدة وطنية سورية تضم بعض وجوه المعارضة.
بيان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي تعهد فيه “بمحو” تنظيم “الدولة” وإرهابيين إسلاميين آخرين من الكرة الأرضية يصب في خانة المخطط الروسي الجديد أيضا، وضوء اخضر من صديق بوتين الأمريكي لتنفيذه وبطريقة أكثر صرامة.
معركة حلب، والنهاية التي انتهت عليها، باستعادة الجيش السوري لها، وخروج المسلحين منها في الباصات الخضراء، كانت نقطة تحول رئيسية ليس في سورية فحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، والعام الجديد سيكون حافلا بالمفاجآت السارة للبعض وغير السارة للبعض الآخر، كل حسب الخندق الذي يقف فيه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/21