هل لعب التقارب الروسي الإيراني التركي دورا رئيسيا في قرار أوباما تسليح المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات؟
عبد الباري عطوان ..
مسألتان تردد الرئيس باراك أوباما اتخاذ قرار حاسم بشأنهما طوال فترتيه الرئاسيتين امتدتا لثماني سنوات: الأولى تجريم الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة، والثانية تزويد المعارضة السورية “المعتدلة” بصواريخ حديثه متقدمة مضادة للطائرات والصواريخ معا، لتعديل الخلل في موازين القوى العسكرية على الأرض لصالحها، أي المعارضة، ويبدو أنه في أيامه الأخيرة حسم أمره، واستصدر مشروع قانون بتسليح المعارضة السورية بالصواريخ التي ظلت تطالب بها منذ أربعة أعوام على الأقل.
انتصار التحالف الروسي السوري الإيراني الأخير في حلب، وانضمام تركيا بقوة إلى هذا الحلف، وتوصل اللقاءات الثلاثية الروسية التركية الإيرانية إلى مشروع اتفاق بشأن مستقبل سورية، كلها عوامل ثلاثة وقفت، وتقف، خلف هذا التحول في الموقف الأمريكي الذي تبلور في النزاع الأخير من إدارة الرئيس أوباما الديمقراطية، مما يعني أنها لا تقف وحدها خلف هذا التحول، وأن “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة من خلف ستار، هي صاحبة القرار، مما يوحي أنه ربما يكون ملزما للرئيس الجديد دونالد ترامب.
القلق الروسي من القرار الأمريكي بتسليح المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات والصواريخ معا، انعكس بقوة في البيان الذي اصدرته، قرأته السيدة ماريا زاخاروف، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، وقالت فيه أنها تشكل خطرا على الطيران الروسي، لأنها ستقع حتما في أيدي “الجهاديين”، واتهمت أمريكا بدعم جبهة النصرة “الإرهابية” “ووقف التعاون مع روسيا للحرب على الإرهاب”.
***
هذه التطورات في الملف السوري، مجتمعة أو منفردة، تؤكد أنه قد يدخل مرحلة الغليان منذ اليوم الأول للعام الميلادي الجديد، وأن التفاهمات الروسية الأمريكية التي ضبطت هذا الملف طوال العامين الماضيين على الأقل، ومنعت صداما مباشرا بين القوتين العظميين قد أوشكت على الانهيار، أن لم تكن قد انهارت فعلا.
تفرد المثلث الروسي التركي الإيراني، وانخراطه في عملية سياسية لتحديد مستقل “سورية الجديدة” في إطار مفاوضات ستنطلق في الآستانة، عاصمة دولة كازاخستان القريبة جدا من موسكو، بحضور وفود تمثل المعارضة السورية “المعتدلة” القريبة من الدول الثلاث، وبمشاركة وفد سوري رسمي، أزعج واشنطن وحلفاءها في المنطقة العربية، ويمكن تحسس ملامح هذا الإنزعاج في النقاط الثالية:
أولا: حملة التبرعات السعودية الشعبية السورية التي أعلن عنها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وقادها بنفسه وولي عهده أمس، في محاولة لتغطية الفشل في انقاذ مدينة حلب من السقوط، والاحتجاج على ابعاد السعودية من المفاوضات المقبلة.
ثانيا: عودة السيد عادل الجبير وزير الخارجية عن الحديث عن تنحية الرئيس السوري، وهو الذي صمت عن الحديث في هذا الشأن لأكثر من شهرين، وهي مدة طويلة جدا وقياسية بالنسبة إليه.
ثالثا: اتخاذ أوباما القرار بتسليح المعارضة السورية بأسلحة حديثة من ضمنها صواريخ مضادة للطائرات في كسر واضح لقاعدة أمريكية كانت تميل لتجنب التصعيد.
***
ليس من المعروف حتى الآن أين ستذهب هذه الأسلحة الجديدة، مباشرة، أو عبر أي من الدول العربية، السعودية أو قطر مثلا؟ وما هي الضمانات التي تحول دون وقوعها في أيدي جماعات متشددة على غرار ما حدث مع صواريخ “تاو” المضادة للدروع التي ظهرت في أيدي تنظيم “الدولة الإسلامية” و”النصرة” أخيرا؟
الإرهاصات الأولى تؤكد أن عام 2017 سيكون أكثر سخونة وغليانا من العام الحالي 2016، الذي يقترب من نهايته، خاصة على صعيد الأزمة السورية، لأننا سنقف أمام مشهد قد يتوافق، أو يتصارع فيه زعيمان قويان هما الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي دونالد ترامب، وعندها لا نستبعد الاحتمال الأخير، أي الصراع وربما المواجهة، لأن قرارات أوباما الأخيرة بتسليح المعارضة تعكس رأي “المؤسسة” وليس رأي رئيس أمريكي راحل، وحديث ترامب عن إعادة أمريكا كقوة عظمى أثناء حملته الانتحابية يؤشر على هذا التوجه، ولا ننسى أيضا تحرشه بالصين، واتصاله الاستفزازي مع القيادة التايوانية قبل تسلمه الحكم.
العالم بصيغته وخريطة تحالفاته، وربما حروبه المقبلة سيتبلور على الأرض السورية، وحول أزمتها، والأطراف المشاركة أو المتداخلة فيها.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/28