الأسد وبوتين أبرز المستفيدين من هجمات باريس دون أن تقصد “الدولة الإسلامية”
عبد الباري عطوان
ثلاثة أطراف رئيسية خرجت كاسبة من تفجيرات باريس الإرهابية، أولها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وثانيهما حليفه الرئيس السوري بشار الأسد، وثالثها “الدولة الإسلامية” التي نفذت خلاياها هذه التفجيرات.
فعندما تقترح فرنسا على روسيا الانضمام إلى تحالف موسع يضم الولايات المتحدة، وتركيا وبريطانيا وألمانيا، ودول شرق أوسطية، مثل السعودية وقطر والإمارات ومصر، ويرحب الرئيس بوتين فورا، فان هذا يعني كسر العزلة السياسية، وربما الاقتصادية التي فرضها عليه الغرب كرد على استيلائه على شبه جزيرة القرم وضمها إلى روسيا، ومباركة تدخله العسكري في سورية، الذي كانت فرنسا من أبرز معارضيه.
كسر العزلة عن روسيا انجاز كبير للرئيس الأسد، وتخفيف للضغوط الغربية عليه، وتراجع، ولو مؤقت، للمطالبات بتنحيته فور انتهاء المرحلة الانتقالية المقترحة، وعدم مشاركته في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية.
***
سيرغي لافروف مهندس السياسة الخارجية الروسية عبر عن هذه المسألة بكل وضوح عندما قال “من غير المقبول بعد الآن فرض أي شروط مسبقة حول مصير الرئيس السوري”، ونفى أي اتفاق بين المشاركين في محادثات فيينا حول إبعاد الرئيس الأسد عن التسوية، واعترف في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره اللبناني جبران باسيل الزائر لموسكو “بحدوث تعديل في مواقف بعض شركائنا الغربيين، وان هذا التطور جاء بعد ثمن باهظ نتج عن هجمات إرهابية مروعة”.
التعديل الذي يتحدث عنه لافروف يتمثل في تراجع بعض الدول الفاعلة عن شرط رحيل الرئيس السوري، وإعطاء الأولوية لتركيز كل الإمكانيات لمحاربة “الدولة الإسلامية” بعد أن وصل خطرها إلى قلب العاصمة الفرنسية، ووجود تقارير تفيد بأن تفجيرات باريس قد تتكرر في عواصم أو مدن أوروبية وأمريكية أخرى.
الأوساط الغربية تتحدث هذه الأيام بقوة عن صفقة أمريكية تركية، تنص على قبول تركيا بإستراتيجية التحالف الدولي في سورية، بمعنى أن تتنازل عن شرطها المسبق الذي تربط محاربة “الدولة الإسلامية” بإسقاط الرئيس السوري، على أن تحصل مقابل هذا التنازل على موافقة واشنطن على المطلب التركي، بمنع سيطرة الأكراد على مناطق شمال سورية، وتحويلها لنواة حكم ذاتي على غرار ما حدث في كردستان العراق.
الانتقالة النوعية المفاجئة في إستراتيجية “الدولة الإسلامية” من مرحلة “التمكن” في الجوار الجغرافي العراقي السوري، إلى مرحلة “التمدد” غربيا من خلال هجمات لإيجاد أرضية لبذر بذور “التوحش”، وضرب العلاقة بين الجاليات الإسلامية والحاضنات الغربية لها، هي التي قلبت كل الموازين السياسية، وصالحت بين الأعداء (فرنسا وروسيا مثلا) ودفعتهم نحو ائتلاف جديد لمحاربتها ولو بصورة مؤقتة.
فرنسا وروسيا ضحيتان لأحدث هذه الهجمات لـ”الدولة الإسلامية” وفروعها، فقد خسرت الأولى هيبتها، وأكثر من 130 من مواطنيها في تفجيرات باريس، بينما خسرت الثانية، أي روسيا إحدى طائراتها و224 من مواطنيها بقنبلة شرم الشيخ، الأمر الذي دفعهما للوقوف في خندق انتقامي واحد، ونسيان كل خلافاتهما بالتالي.
لا نعرف ما إذا كانت ردود الفعل الروسية والغربية الغاضبة على هجمات “الدولة الإسلامية” والمتمثلة في زيادة الغارات الجوية، وإرسال حاملة طائرات فرنسية (شارل يغول) إلى شرق المتوسط ستسرع في القضاء على هذه الدولة، ولكن ما نعرفه أن 7000 غارة على مدى عام وبضعة أشهر، لم تحدث أي اثر ملموس حتى الآن، لأنها تأقلمت مع هذه الغارات أولا، ولان أبو بكر البغدادي زعيمها، وأركان قيادته لا يقيمون في عنوان معروف، مثل قصر الاليزية الفرنسي مثلا، ليكون هدفا لهذه الغارات.
***
التحالفات الغربية والشرقية تتغير امام ثابت وحيد حتى الآن هو “الدولة الإسلامية”، والحل السياسي للازمة السورية هو الطريق الأقصر لمواجهة هذا الخطر، فلم يسبق إن حظي “تنظيم إسلامي” على مدى التاريخ، الحديث منه خصوصا، على هذا الحجم من العداء، من دول عظمى وعادية على حد سواء، الأمر الذي يبرز مدى قوته، اتفقنا معه أو اختلفنا.
لا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس السوري الذي بادر إلى إرسال برقية تعزية إلى نظيره الفرنسي بضحايا تفجيرات باريس، ومن المؤكد انه لم يتلق، ولن يتلق، أي رد عليها، هو الأكثر سعادة بهجمات باريس، وعرضه للتعاون الاستخباري مع فرنسا إذا غيرت سياستها في سورية، هو ابرز أشكال الكوميديا السوداء، وأبلغها في الوقت نفسه.
إذا استمرت التفجيرات، وهناك احتمال كبير أن تستمر، حسب أقوال الخبراء الأمنيين الغربيين أنفسهم، فان عرض الأسد للتعاون الاستخباري قد يلقى آذانا صاغية، ليس من قبل فرنسا فقط،، وإنما من دول أخرى غيرها، والله أعلم
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2015/11/19