بدأت “المؤسسة” الأمريكية حربها على ترامب مبكرا..
عبد الباري عطوان ..
لا نعتقد أن الفترة الرئاسية الأولى، وربما الأخيرة، لدونالد ترامب التي ستبدأ يوم الجمعة 20 كانون الثاني (يناير)، ستكون ناعمة خالية من الأزمات والفضائح، فالرجل تحدى المؤسسة الحاكمة من خلف ستار، مثلما تحدى مؤسساتها الأمنية، واحتقر الصحافة، السلطة الرابعة بكل أذرعها الإعلامية، واستعدى معظم الحزب الجمهوري، وكل أنصار الحزب الديمقراطي في مجلسي الشيوخ والنواب.
الانتقام جاء أسرع مما توقع الكثيرون، ونحن من بينهم، ومن قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي أهانها “المرشح” ترامب عندما تواطأ مع الروس، والرئيس فلاديمير بوتين بالذات، الذي انحاز إليه، وسربت مخابراته (كي جي بي) رسائل الكترونية “خاصة” من الحاسوب الشخصي للسيدة هيلاري كلينتون، ولعب هذا التسريب دورا في هزيمتها، لأنه جاء في توقيت قاتل، أي قبل أيام من الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
***
بالأمس كشفت صحيفتان “الغارديان” البريطانية و”وول ستريت جورنال” الامريكية، أن عميلا سابقا للمخابرات البريطانية يدعى كريستوفر ستيل، عمل في موسكو لعدة سنوات، هو الذي يقف وراء تسريب تقرير من 35 صفحة يتضمن شريط فيديو، صورته أجهزة المخابرات الروسية عن تورط الرئيس ترامب، في أعمال جنسية فاضحة أثناء إقامته في أحد أجنحة فنادق موسكو، تضمن عروضا شاذة لبنات ليل جرى استئجارهم لهذا الغرض، وقيل أن كريستوفر ودع قطته واختفى عن الأنظار خوفا على حياته من الاغتيال، فالمخابرات الروسية لا ترحم، وتملك إرثا عميقا في الاغتيالات.
الرئيس ترامب وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده فجر اليوم الخميس، نفى هذه الزاعم، وقال إنها معلومات كاذبة ملفقة، وأكد أنه كان يعلم جيدا بأن الفنادق في معظم أنحاء العالم تتضمن كاميرات تجسس، ولهذا اتبع كل إجراءات الحذر الأمنية الاحتياطية المطلوبة، واتهم أجهزة الاستخبارات الأمريكية، التي لا تكن له أي ود، بالوقوف خلف التسريبات هذه لتشويه صورته، وكأنها ناصعة البياض وينقصها فقط هذا التشويه.
لا نستبعد أن يكون ترامب تورط في هذه الفضائح، فالرجل كان منخرطا في الأعمال التجارية، ولم تكن له أي طموحات سياسية معروفة حتى قبل خمس سنوات على الأقل من نزوله إلى حلبة الترشح للرئاسة، وتاريخه الشخصي مليء بالفضائح والخلافات الزوجية، ومغازلة النساء والجميلات المثيرات منهن خصوصا، وآخر زوجاته تنطبق عليها هذه المواصفات، وقوله في المؤتمر الصحافي الذي عقده بأنه يدرك أن الفنادق الكبرى توجد فيها كاميرات تجسس، ويتخذ كل إجراءات الحذر، يوحي بأنه لا يعارض، أو بالأحرى لا ينفي، الانغماس في أعمال “غير لائقة”، أو هكذا نفهم الأمور.
مشكلة “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة مع ترامب معقدة ومتشعبة، أبرز أوجهها صداقته مع الرئيس بوتين، وعزمه تعزيز التقارب مع موسكو، ومواجهة الطموحات العسكرية والاقتصادية للصين، الأمر الذي يعكس تحولا جذريا في السياسة الأمريكية الحالية، وخرق لكل الخطوط الحمر.
الرئيس باراك أوباما في خطاب الوداع الذي ألقاه في مدينة شيكاغوا فجر الأربعاء، عكس جانبا آخر من مخاوف “المؤسسة” أو الدولة الأمريكية “العميقة” عندما عبر عن قلقه على الديمقراطية الأمريكية، ومن عودة العنصرية، وتراجع قيم التسامح والتعايش في المجتمع الأمريكي، في إشارة واضحة إلى ترامب دون أن يسميه بالاسم.
***
لا نعرف كيف ستتعاطى “المؤسسة الأمريكية هذه مع هذا الرئيس “العاق” الذي خرج عن طوعها وتحداها، ووصل إلى البيت الأبيض رغما عنها، ولكن ما نعرفه أن حربها عليه بدأت حتى قبل أن يتسلم المفاتيح، ويجلس إلى جانب المدفأة الشهيرة مستقبلا ضيوفه.
الدولة الأمريكية العميقة متهمة بالوقوف خلف اغتيال الرئيس جون كندي، أول رئيس أمريكي “كاثوليكي”، ومقتل “عشيقته” الممثلة الشقراء مارلين مونرو، والإطاحة بالرئيس ريتشارد نيكسون من خلال فضيحة “ووترغيت”، فهل ستطيح بالطرق نفسها، أو بغيرها بالرئيس ترامب؟
لسنا من قراء الكف، ولا من ضاربي الرمل والمندل، ونترك الإجابة للأشهر أو السنوات المقبلة، ولا نستبعد أي شيء.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/01/12