ترامب يتبنى مواقف نتنياهو.. والخطر الأكبر هو تأسيس محور عربي إسرائيلي لمواجهة إيران
عبد الباري عطوان ..
تابعنا المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ختام زيارة الأخير الرسمية لواشنطن، وشعرنا ليس فقط بالتطابق الكامل في وجهتي نظر الطرفين حول قضايا منطقة الشرق الأوسط، وإنما أيضا بأنه كان من الصعب علينا التفريق بين لغتيهما وأفكارهما، وكأن نتنياهو كان يجيب على الأسئلة الموجهة إليه وإلى مضيفه في الوقت نفسه.
النقطة المحورية في هذا المؤتمر الصحافي لم تكن القضية الفلسطينية، وإنما تبني الرئيس ترامب لموقف حكومة نتنياهو تجاه الملف النووي الإيراني، عندما قال لن نسمح لإيران أبدا بحيازة السلاح النووي، وأن الاتفاق النووي مع إيران “هو أسوأ الاتفاقات التي رأيت”، وأكد “أنه سيقوم بفرض عقوبات جديدة، والإقدام على خطوات أكبر لمنع إيران كليا من أن تطور سلاحا نوويا”، وتعد بحماية إسرائيل من أي خطر نووي إيراني.
***
المعلومات القادمة من واشنطن تؤكد أن أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها أيضا بين نتنياهو وترامب إعادة إحياء المحور السني العربي لمواجهة إيران، وعقد مؤتمر دولي تشارك فيه الدول العربية المعتدلة إلى جانب إسرائيل هدفه المعلن بحث إيجاد حل للقضية الفلسطينية، أما هدفه الخفي فهو بدء عملية التطبيع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية “سنية” خليجية على وجه التحديد.
نتنياهو حصل على كل ما يريد وأكثر من مضيفه الأمريكي، حصل على تصريح بدفن حل الدولتين، وضوء أخضر بالمضي قدما في تكثيف الاستيطان في الأراضي المحتلة، ووعود بالضغط على الطرف الفلسطيني للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، مما يعني حرمان مليون ونصف المليون فلسطيني من عرب الأراضي المحتلة عام 1948 من حقوق المواطنة والمساواة، وتأكيد عنصرية الدولة الإسرائيلية.
ترامب وضع المنطقة كلها على فوهة بركان التطرف والعنف والإرهاب، بانحيازه الكامل إلى وجهة النظر الإسرائيلية الاستيطانية، وإذكاء نيران الاستقطاب الطائفي والعرقي في منطقة الشرق الأوسط، والنظر إليها من المنظور الإسرائيلي الصرف.
السلطة الفلسطينية انتهت، بانتهاء ودفن حل الدوليتين، وحوّلها ترامب بمواقفه هذه إلى “روابط قرى” أخرى، بل أكثر سوءا، وبات دورها محصورا في التنسيق الأمني لحماية الاحتلال ومستوطناته ومستوطنيه ولا نستغرب أن تحديد هذه الوظيفة مجددا كانت الهدف الأساسي لزيارة مايك بومبيو، رئيس وكالة المخابرات المركزية (سي أي ايه) لرام الله ولقائه أمس بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، فهذه زيارة أمنية، ولإملاء الأوامر وتحديد الأدوار فقط، وليس هناك أمام السلطة ورئيسها غير الطاعة والتنفيذ دون أي نقاش.
***
حركة المقاومة الإسلامية “حماس″ استشعرت هذا التطور المرعب الذي تقف القضية الفلسطينية على أبوابه، وأثبتت كوادرها قمة المسؤولية عندما انتخبت قيادة جديدة متشددة لقطاع غزة، يتزعمها السيد يحيى السنوار، ويساعده كل من خليل الحية وروحي مشتهى، قيادة توحد بين جناحي الحركة السياسي والعسكري، لأول مرة منذ عشر سنوات على الأقل، والمأمول أن تفعل كوادر حركة “فتح” الشيء نفسه، وترتقي إلى حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في ظل هذا الانحياز الأمريكي المطلق، لأكثر الحكومات تطرفا وعنصرية في تاريخ دولة الاحتلال القصير، وتستعيد ماضيها النضالي المشرف، وتخرج بالتالي من مسلسل الاستسلام والخداع وبيع الوهم تحت عنوان السلام المغشوش والوهمي.
التشدد والعنف والإرهاب والتضحيات الجسام، والفرز بين الوطنية واللاوطنية، هو عنوان المرحلة الجديدة، ولا نشك مطلقا في أن النصر سيكون حليف المؤمنين بالعزة والكرامة ومقاومة الظلم بالطرق كافة، ولعل وصول ترامب إلى السلطة فأل طيب لإيقاظ النيام المخدرين العرب والفلسطينيين خاصة، فقد يأتي الخير من باطن الشر.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/02/16