التحالف “السني” الإسرائيلي الجديد الذي يريد ترامب ونتنياهو إقامته أكثر خطورة من القنبلة النووية الإيرانية
عبد الباري عطوان ..
من يتابع التصريحات المتلاحقة التي تصدر هذه الأيام عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه مايك بنس حول “الخطر الإيراني” الذي يهدد أمريكا وحلفاءها في المنطقة، يعتقد أن الحرب باتت وشيكة جدا، وأن صواريخها المجهزة برؤوس ذرية، جاهزة للانطلاق لضرب أهداف في المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
فاجأنا السيد بنس اليوم عندما “أكد” أن إدارته ستبذل كل جهد ممكن لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية تهدد إسرائيل، ولا نفهم كيف ستملك إيران هذه الأسلحة وهي ملتزمة باتفاق مع الدول الست العظمى، يحظر عليها تخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما مقبلة؟
السؤال الذي يحيرنا، ويصعب علينا إيجاد إجابة عليه يتعلق بالأسباب والمبرارات، التي تدفع الإدارة الأمريكية الجديدة لقرع طبوب الحرب، وتشكيل التحالفات العسكرية والسياسية في المنطقة لمواجهة إيران، وهي التي لم يمض عليها في الحكم غير ثلاثة أسابيع فقط، فهل ترى هذه الإدارة أخطارا لم ترها الإدارة السابقة، ومعها كل الدول الأوروبية، التي تفاوضت لأكثر من عامين لتوقيع الاتفاق النووي؟
*
لا نعتقد أن هناك خطر إيراني، وإنما هناك محاولة لإحيائه وتضخيمه من قبل الإدارة الحالية، وبتحريض من بنيامين نتنياهو، من أجل قيام “شرق أوسط” جديد على أسس مختلفة، عنوانه الأبرز هو تشكيل حلف جديد يضم الدول العربية السنية الرئيسية، وهي معظم دول الخليج، علاوة على مصر والأردن وتركيا، وبما يؤدي إلى “تذويب” القضية الفلسطينية، أو تخفيضها إلى مراتب دنيا على سلم أولويات المنطقة والعالم.
بنيامين نتنياهو “فيلسوف” هذا الشرق الأوسط الجديد ومنظّره، قال في مقابلة مع محطة تلفزة أمريكية (سي ان ان) أنه يريد سلام شامل في الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول العربية، وأضاف بأن دولا عربية كثيرة لم تعد تعتبر إسرائيل عدوا، بل حليفا في مواجهة إيران و”الدولة الإسلامية”.
الرئيس الأمريكي ترامب أعلن تبنيه لما سماه بـ “المقاربة الإقليمية” التي يتحدث عنها نتنياهو، وأكد سفيره الجديد في تل أبيب ديفيد فريدمان الداعم الأكبر لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، “أن العرب والإسرائيليين يوحدهم القلق من إيران وهي دولة داعمة للإرهاب”.
لأن نعرف من هم هؤلاء العرب الذين لا يذوقون طعم النوم بسبب القلق والرعب من إيران، فهل الجزائريون، والمغاربة والمصريون والإردنيون والليبيون والسودانيون، ومعظم السوريين والعراقيين، أي الغالبية الساحقة من العرب يقلقهم فعلا الخطر الإيراني، ويرون في إسرائيل المنقذ والمخلّص مثلا؟
لا ننكر مطلقا أن بعض الأسر الحاكمة في الخليج، وعلى رأسها الأسرة السعودية، تشعر بهذا القلق، وتحاول تصديره إلى شعوبها، تماما مثلما شعرت بالقلق نفسه، أو اخترعته، من الرئيس الراحل صدام حسين، وقبله الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت في ذروة الاطمئنان والسعادة والاسترخاء أثناء وجود الشاه محمد رضه بهلوي الذي كان يتباهى بفارسيته، واحتقاره للعرب وعلاقاته الإستراتيجية بإسرائيل.
ترامب وحليفه نتنياهو سيوحدان طرفي المعادلة المذهبية الإسلامية، أي السّنة والشيعة ضدهما، والحلفاء العرب الذين سينضوون تحت شرقهما الأوسطي الجديد الذين يريدان إقامته، مثلما سيوحدان “إرهاب” الطرفين أيضا الذي يمكن أن ينشأ كرد فعل على هذا التحالف الجديد، الذي لا نعتقد أنه يملك أسباب القوة والمنطق التي تعتبر ضرورية لاستمراره ونجاحه في تحقيق أهدافه، ويذكرنا بالمصير الذي آل إليه حلف بغداد المشابه.
كان لافتا الحملة الشرسة التي شنتها المملكة العربية السعودية لإجهاض الزيارة المزمع أن يقوم بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الجزائر عبر أذرعتها الإعلامية الضاربة على “التويتر”، ووسائط التواصل الاجتماعي الأخرى، ولكنها تبخرت وبسرعة فور وصول السيد روحاني إلى عاصمتين خليجيتين هما الكويت وسلطنة عمان، مما يعكس صعوبة هذه المهمة التحريضية في المستقبل.
*
ما يجعلنا أكثر يقينا بأن هذا الحلف العربي الإسرائيلي الجديد سيجد مقاومة شرسة، هو عدم ارتكازه على أسس عادلة لحل القضية الفلسطينية، وطرح بدائل ربما تفجر الدول المرشحة للانضمام إليه، ونقصد هنا كل من مصر والأردن خصيصا.
فالحل المطروح كبديل لحل الدولتين هو ما تردد على استحياء مؤخرا، وهو إقامة دولة فلسطينية في سيناء لتوسيع قطاع غزة، وضم الضفة الغربية للأردن، ولا نعتقد الشعب المصري الذي يعارض بقوة وبأغلبية ساحقة التنازل عن جزيري “صنافير” و”تيران” المهجورتين في مدخل خليج العقبة للمملكة العربية السعودية سيقبل بهذا الحل، كما أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبل مثل هذه الحلول البديلة.
أما الحديث عن وضع حركة “الإخوان المسلمين” على قائمة الإرهاب من قبل الإدارة الأمريكية كمكافأة لحلفاء إسرائيل الجدد من العرب، فإن هذا سيصب في مصلحة إيران، وسيجعل الحركة تقوي علاقاتها معها، وهي علاقات كانت قوية في السابق، تماما مثلما وقفت الحركة في خندق الرئيس العراقي صدام حسين أيام حرب الكويت في مواجهة العدوان الأمريكي، ونجزم بأن هذه الحركة ستقف في أي خندق مناهض للخندق الذي يقف فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
إن قمة الغباء في رأينا أن يراهن بعض الحكام العرب على الرئيس ترامب الذي تحاربه أقوى مؤسستين في أمريكا، وهما الإعلامية والأمنية، وتعملان بشراسة على تقويض أسس حكمه، علاوة على التحالف مع نتنياهو الذي يجسد العنصرية الإسرائيلية في أبشع صورها، ويعمل ليل نهار على تهويد مدينة القدس المحتلة.
هذا التحالف العربي الإسرائيلي الجديد في حال قيامه سيكون قنبلة تفجير للمنطقة، وربما للدول المنضوية تحت لوائه، وهي قنبلة أكثر خطورة من قنابل إيران النووية الوهمية بكثير.. وسيكون لنا أكثر من عودة إلى هذا الموضع في الأيام المقبلة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/02/18