آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

الجبير يعود إلى التهديد.. وقرع طبول الحرب في سورية..

 

عبد الباري عطوان ..

نسف السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي مؤتمر جنيف الرابع، الذي من المنتظر أن يبدأ جلساته بعد يومين للتوصل إلى حل سياسي في سورية، قبل أن ينعقد بالتصريحات التي أدلى بها اإى صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية يوم أمس، وأكد فيها على مجموعة من النقاط لا بد من التوقف عندها قبل إجراء أي قراءة أو تحليل لمضمونها:

    الأولى: استعداد بلاده إرسال قوات خاصة لقتال “الدولة الإسلامية” في سورية جنبا إلى جنب مع قوات أمريكية.

    الثانية: التأكيد على تسليم أي مناطق يتم تحريرها من “الدولة الإسلامية” في سورية إلى قوات المعارضة، حتى لا تقع في أيدي النظام أو حلفائه في إيران و”حزب الله”.

    الثالثة: لا مجال لانتهاء الحرب في سورية إلا بانتقال سياسي، لا يكون فيه أي دور للرئيس السوري بشار الأسد.

هذه التصريحات التي أدلى بها السيد الجبير، بعد صوم عن الكلام استمر بضعة أشهر، تعيد الأزمة السورية إلى المربع الأول، وتضع المنطقة على حافة، أن لم يكن، قلب حرب إقليمية، وربما دولية شاملة.

اللافت أن هذه التصريحات تأتي تزامنا مع تقارير إخبارية تؤكد عزم الولايات المتحدة تشكيل تحالف سداسي سني يضم أربع دول عربية، هي المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات وتركيا، إلى جانب إسرائيل، تكون مهمته الأولى إقامة مناطق آمنة في كل من سورية واليمن، تكون منطلقا لإطاحة نظام الرئيس الأسد، والقضاء كليا على التحالف “الحوثي الصالحي” في شمال اليمن.
***
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي هو “عراب” هذا المخطط الذي جرى الاتفاق على خطوطه العريضة أثناء زيارته إلى واشنطن قبل أسبوع، ولقائه الرئيس دونالد ترامب، وطلب الأخير من وزير دفاعه جيمس ماتيس مراجعة الإستراتيجية الأمريكية في سورية، وتقديم مشروع جديد للتدخل العسكري فيها، بما في ذلك إرسال قوات برية، ويبدو أن هذا المشروع بات جاهزا، وأن ملامحه تبلورت، وأبرز دليل على ذلك إعلان وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي اي ايه” تجميد دعمها التسليحي والتدريبي لقوات الجيش السوري الحر.

تمويل مخطط التدخل العسكري الأمريكي في سورية واليمن ستتولى مسؤوليته الدول الخليجية كاملة، وترامب قال ذلك بطريقة صريحة تنضح وقاحة واستهتارا، عندما خاطب دولا خليجية بقوله، ليس لديكم غير المال، ولولانا لما بقيتم يوما واحدا، ولا نستبعد أنه حصل، أي ترامب، على موافقة سعودية مسبقة في هذا الإطار، تؤكدها تصريحات رسمية بقرب طرح أسهم بيع شركة أرامكو في الاسواق العالمية في غضون أسابيع، أن لم يكن أياما، لتوفير الأموال اللازمة في هذا الخصوص.

لا نعرف ما هي مصلحة السعودية، ودول خليجية أخرى إلى جانب تركيا في إشعال فتيل حرب مذهبية في المنطقة، وتقسيم سورية، والتحالف مع رئيس أمريكي متهور ومكروه أمريكيا، ولا يخفي كراهيته العنصرية للعرب والمسلمين، هل هو الثأر وإشفاء الغليل، والرغبة الدفينة بالانتقام؟ وهل تقبل القيادة السعودية تسليم الحوثيين مناطق يسيطرون عليها في جنوب المملكة إلى معارضة سعودية مثلا، أو حتى إلى “الدولة الإسلامية”، أو تنظيم “القاعدة”؟

ربما يجادل البعض هنا بأنه لا توجد قوات معارضة سعودية على غرار الجيش السوري الحر في الوقت الراهن، وهذا الجدل صحيح، ونسلم به، ولكن لا أحد يستطيع قراءة المستقبل، والتنبؤ بتطوراته، ومن كان يتوقع أصلا ظهور فصائل الجيش السوري الحر، أو صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى السطح، وإقامة سلطته على أراض تشكل ثلث العراق ونصف سورية، وهزيمة جيش عراقي جرى إنفاق 26 مليار دولار على تسليحه وتدريبه، وفي غضون أيام، بل ساعات معدودة؟ والأهم من ذلك نسأل عن من كان يتوقع أن تدخل الحرب في اليمن عامها الثالث، دون أن تحقق هدفا واحدا من الأهداف التي انطلقت من أجلها.

وإذا كان السيد الجبير يعتقد بأنه لا مجال لإنهاء الحرب في سورية إلا بانتقال سياسي من دون الرئيس الأسد، فإنه يمكن القول أيضا لن يكون هناك استقرار في سورية، وربما المنطقة بأسرها، في ظل الإطاحة به والدولة التي يجلس على قمتها، ولنا في ما حدث في العراق وليبيا واليمن خير أمثلة في هذا الصدد، ونذّكر بها السيد الجبير وقيادته لعلهم نسوا ذلك في ذروة الفرح بمخطط ترامب القادم.

ترامب شخص متهور، ولكن أي حرب سيخوضها ستكون بعيدة خمسة آلاف ميل عن أراضي بلاده، ويمكن أن تقدم الدولة الأمريكية العميقة (المؤسسة) على إقالته، أو تدبير اغتياله، إذا أحست أنه سيقود أمريكا إلى الهاوية، لكن الحال لن يكون كذلك في المنطقة العربية، والدول الحليفة له، والمتورطة في مخططاته، وستواجه الفوضى الدموية والتقسيم حتما.
***
ندرك جيدا أن الشعب السعودي لن يكون له أي رأي في أي قرار تتخذه قيادته في إرسال قوات خاصة للقتال في سورية، مثلما لم يكن له قرار بإرسال طائرات “عاصفة الحزم” لقصف اليمن، ولكن هذا الصمت قد لا يطول إذا ما واجهت القوات السعودية الخاصة مقاومة أشرس من تلك التي تواجهها نظيراتها في اليمن، فهناك طائرات وصواريخ ودبابات روسية وإيرانية وسورية، علاوة على وجود قوات لـ”الدولة الإسلامية” أيضا، وهي قطعا لن تقذف القوات السعودية بالورود والرياحين.

وأخيرا نسأل، وبكل سذاجة، لماذا يستبعد السيد الجبير، وقيادته، (نعلم جيدا أنه ليس صاحب قرار) اتساع نطاق الحرب، وإقدام إيران، وربما حلفاء لها في العراق بقصف العمق السعودي من الشمال، كرد انتقامي انتصارا لحليفهم الأسد؟

نطرح هذه الأسئلة وغيرها، لأننا لا نريد أن تتورط المملكة والمنطقة بأسرها في حرب تؤدي إلى دمارها، ويكون وقودها العرب وما تبقى لهم من ثروات، ولخدمة أهداف غير عربية وغير إسلامية.

للمرة المليون نقول أن المملكة بحاجة إلى حكماء يرفعون صوتهم، وكروتهم الحمراء، قبل فوات الأوان، ونعتقد أن هؤلاء كثر فيها.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/02/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد