عمان تؤسس للحلف “السني” الجديد..
عبد الباري عطوان ..
من تابع خطابات القادة العرب في قمة عمان التي بدأت أعمالها في البحر الميت صباح اليوم يخرج بانطباع أساسي وهو أن معظمها موجه إلى إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وتتمحور حول خطته الجديدة بتأسيس تحالف عربي سني لمواجهة إيران التي يعتبرها، وحلفاؤه العرب، الخطر التي يهدد المنطقة.
لا نبالغ إذا قلنا في هذا المكان أن هذا الحضور الكبير واللافت للزعماء العرب للقمة لا يأتي بسبب الجهود الكبيرة التي بذلها العاهل الأردني المضيف، وإنما أيضا من أجل الحشد والتمهيد لهذه الخطوة، واضعين في الاعتبار أن الأردن سيكون أحد الدول المهمة في الحلف الجديد.
مسألة أخرى لا بد من التطرق إليها في هذا السياق، وهي أن القيادتين السعودية والمصرية اللتين تفاقمت الخلافات بينهما في الأشهر الستة الماضية، ووصلت إلى درجة القطيعة، كانتا تبحثان عن سلم للنزول عن شجرة هذه الخلافات، وأرضية حيادية للقاء والمصافحة، ودون أن يظهر أن أي منهما تنازل للآخر، وجاءت المشاركة في قمة عمان العربية هي المخرج الملائم.
الرئيس عبد الفتاح السيسي نطق الكلمة السحرية في خطابه، وهي التي قال فيها، إنه يجب التصدي بحزم للنفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة بقوة، وكانت هذه العبارة موجهة إلى العاهل السعودي، وبصاروخ عابر للقارات والمحيطات إلى الرئيس الأمريكي ترامب، الذي كان ينتظرها، وربما على علم مسبق بها، وتربطه بالرئيس المصري علاقة متنامية، وعلينا أن نضع في اعتبارنا أمرين، الأول أن الرئيس الأمريكي هو الذي أوعز لحلفائه السعوديين، أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، الأخيرة لواشنطن بالتقارب مع القاهرة بسرعة، وأن تكون الخطوة الأولى إعادة المنحة النفطية السعودية إليها التي تقدر بحوالي 700 ألف طن شهريا، وانقطعت لأكثر من ستة أشهر، ولا يجب أن يغيب عن ذهننا أن الرئيس السيسي سحب مشروع قرار تقدمت به بلاده إلى مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان الإسرائيلي، ويطالب بوقفه بطلب من الرئيس ترامب وقبل أن يتولى مهامه، أي ترامب، رسميا.
***
لم نفاجأ من نظرية احجار “الدومينو” التي توالت بعد اللقاء والمصافحة العابرة بين الرئيس المصري والعاهل السعودي، فالمسرح كان مهيئا بعناية فائقة للتطورات التي ترتبت عليها، وتمثلت في إعلان متحدث باسم الرئاسة المصرية أن الرئيس السيسي رحب بدعوة الملك سلمان له لزيارة السعودية، ووعد العاهل السعودي بزيارة مصر في المقابل.
قمة عمان العربية ستكون “الحاضنة” للتحالف السني الجديد الذي لن تكون إسرائيل بعيدة عنه، وعودة القضية الفلسطينية لأول مرة إلى واجهة مؤسسة القمة بعد غياب أو “تغييب” لأكثر من ست سنوات كان مقصودا أيضا، لتقديم الغطاء لمثل هذا التحالف “السني” الجديد، ولا نستبعد أن تتم الدعوة قريبا لعقد مؤتمر سلام في واشنطن يلتقي أثناءه قادة التحالف مع نظرائهم الإسرائيليين في عملية “إشهار” للتطبيع والعمل المشترك العربي الإسرائيلي، المستقبلي على أكثر من جبهة.
الخطر الإيراني جرى تضخيمه بشكل كبير، واستخدم كـ”فزاعة” لتشكيل، أو إعادة، تشكيل “محور الاعتدال” العربي السابق من دول خليجية إلى جانب ممالك عربية، ولا نعرف ما إذا كان غياب العاهل المغربي محمد السادس المفاجيء عن قمة عمان يعود إلى هذا السبب، أم إلى أسباب أخرى غير السبب المعلن، وهو يأسه من القمم العربية وعدم فاعليتها، ولكنه معروف بتغريده داخل هذا السرب دائما.
كان لافتا في هذا الصدد أيضا، أن أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، كان من القلائل الذي دعا في كلمته إلى الحوار مع إيران لتحقيق الأمن والاستقرار، مثلما دعا أيضا الأمة العربية للسمو فوق خلافاتها، فهل كان الأمير الكويتي على علم بما يجري خلف الكواليس، ويريد أن ينأى بنفسه ودولته عن ما يمكن أن يترتب على هذا التحالف من أخطار، خاصة أنه استقبل الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل شهر في عاصمة بلاده، وأرسل قبلها وزير خارجيته إلى طهران حاملا رسالة بالتهدئة وفتح قنوات الحوار مع قيادتها بتكليف من قمة المنامة الخليجية الأخيرة، وهي المبادرة التي تبرأت منها القيادة السعودية بعد المكالمة الهاتفية الشهيرة بين الرئيس ترامب والعاهل السعودي، وتقرر خلالها مواجهة الخطر الإيراني وإقامة مناطق آمنة في سورية واليمن.
***
قمة عمان تشكل علامة فارقة، وتأسس لمرحلة جديدة في المنطقة العربية، وهذا ما يميزها عن كل القمم العربية السابقة في السنوات العشر الماضية على الأقل.
والزيارات الثلاث التي ستتلوها مباشرة ، للبناء على نتائجها المعلنة والسرية، وهي زيارة العاهل الأردني إلى واشنطن للقاء ترامب كرئيس للقمة العربية، ثم الزيارة المزدوجة التي سيقوم بها الرئيس السيسي إلى الرياض وواشنطن، ستضع “خريطة طريق” جديدة للحلف السني الجديد.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/03/29