ما هي خيارات المعارضة بعد الانقلاب في الموقف الأمريكي لمصلحة بقاء الأسد؟
عبد الباري عطوان ..
حتى كتابة هذه السطور لم يصدر موقف قوي عن فصائل المعارضة السورية الكبرى مثل الجيش السوري الحر، والائتلاف الوطني، والهيئة العليا للمفاوضات في الرياض، تجاه التغيير المفاجيء في موقف الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، الذي جاء على لسان ريكس تيرلسون، وزير الخارجية، وأكد على “أن الشعب السوري هو الذي سيقرر مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد على المدى البعيد، وتعزيز السيدة نيكي هيلي، سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة لهذا الانقلاب بالقول “إن بلادها لم تعد تركز على إسقاط الرئيس السوري وتسعى لإيجاد سبل لإنهاء الحرب في سورية، والدفع باتجاه حل سياسي”.
لا نعتقد أن المعارضة السورية تملك القدرة على اتخاذ أي قرار معاد للولايات المتحدة الأمريكية، فهي أما تتلقى الدعم المالي أو العسكري المباشر منها، أو من حلفائها العرب والأتراك، ومن المؤكد أنها، وهي التي راهنت على الإدارة الأمريكية في إسقاط النظام، على غرار ما حدث في العراق وليبيا، فوجئت بهذا التحول، وأصيبت بحالة من الصدمة ربما فرضت عليها التريث، وعدم إصدار قرارات متعجلة تندم عليها لاحقا.
***
المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري لا تملك البديل عن الولايات المتحدة وحلفها الغربي، وليس أمامها من خيارات غير الذهاب إلى موسكو، ولكن الذهاب في هذا الاتجاه يعني العودة إلى الاندماج في السلطة السورية وفق شروطها، أو حلّ نفسها، والعودة إلى المنفى مجددا مثلما كان عليه الحال قبل “الثورة السورية”.
نحن هنا لا نتحدث عن الفصائل المصنفة على قائمة الإرهاب أمريكيا، مثل “الدولة الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام”، لأن هذه الفصائل تواجه حاليا تحالفا دوليا يضم روسيا وأمريكا، أطلق حربا لتصفيتها عسكريا ويضع هذا التحالف الفصائل المسلحة الأخرى أمام خيار وحيد، إذا أرادت البقاء، وهو التحول إلى قوات “صحوات” سورية، والانخراط في الحرب لاجتثاث الحركتين المذكورتين آنفا، وما يؤكد هذا التوجه إبلاغ غرفة العمليات العسكرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي أي اية” جميع فصائل المعارضة السورية، التي تعتبرها “معتدلة” بوجوب الاندماج في كيان واحد برئاسة فضل الله حاجي القيادي في “فيلق الشام”، مقابل استئناف دفع الرواتب الشهرية لعناصرها، وتقديم المعدات العسكرية لها.
صحيفة “الحياة” التي نشرت هذا الخبر، قالت إن القرار يشمل ما بين 30 إلى 40 ألفا، ينضوون تحت فصائل تنتشر في أرياف حلب وحماة واللاذقية ومحافظة إدلب، بينها “جيش النصر” و”جيش إدلب الحر” و”جيش المجاهدين” و”جيش العزة” و”تجمع فاستقم”.
فصائل المعارضة لن تجد الحاضنة التركية سندا يمكن الاعتماد عليه بعد قرار الحكومة التركية بإنهاء مهمة عملية “درع الفرات”، ولا نعتقد أن الدول الخليجية، التي كانت تقدم لها الدعم على مدى السنوات الست الماضية، ستتحدى القرار الأمريكي الجديد في عدم التركيز على إسقاط النظام السوري ورئيسه، وتواصل الدعم المالي والعسكري لها.
فصائل معارضة تتلقى رواتبها من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من غير المعتقد أنها ستكون قادرة على البقاء إذا ما قرر ممولها التخلي عنها لأي سبب من الأسباب، وإبرزها عدم الانخراط في حرب ضد فصائل حليفة لها، مثل “هيئة تحرير الشام”، النصرة سابقا، تنفيذا لتوجيهات أمريكية.
***
وحتى لو لبت هذه الفصائل التعليمات الأمريكية وتحولت إلى “قوات صحوات”، وحاربت “جبهة النصرة” على غرار ما فعلت نظيراتها العراقية التي شكلها الجنرال ديفيد بترايوس لقتال “القاعدة” في عامي 2007 و2008، فإنها ستواجه الحلّ بعد انتهاء دورها، ووقف الرواتب الشهرية عن عناصرها، والتاريخ يعيد نفسه في معظم الحالات، إنها نهاية مهينة ومأساوية.
لم يكن من قبيل الصدفة أن ينفرط عقد الدورة الخامسة من مؤتمر جنيف بسرعة، وتعود الوفود، كل إلى المكان الذي جاء منه، خالي الوفاض، ومعهم سلالهم الأربع، فقوانين اللعبة تغيرت جذريا بعد الانقلاب في الموقف الأمريكي.
لا نعتقد أن الجولة السادسة من مؤتمر جنيف ستُعقد في المستقبل المنظور، وقرار ستيفان دي ميستورا الاستقالة تأكيدا على فشل هذه العملية التفاوضية، ويخامرنا الكثير من الشك في تعيين بديل له كمبعوث دولي في سورية، وسيعود السيد بشار الجعفري، رئيس الوفد الرسمي السوري المفاوض، إلى مقره في نيويورك، هو يفرك يديه فرحا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/04/02