لماذا هذا “النهم” السعودي لإنفاق عشرات المليارات من الدولارات على شراء صفقات أسلحة أمريكية وتركية؟
عبد الباري عطوان
بعد أيام معدودة من التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى وكالة أنباء “رويترز″ العالمية، وقال فيها إن بلاده تتكبد خسائر كبيرة في دفاعها عن المملكة العربية السعودية، ها هي الأنباء قادمة من واشنطن تؤكد أن الإدارة الأمريكية تعكف حاليا لإبرام عقود بيع صفقة أسلحة للرياض تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، بعضها جاهزة والبعض الآخر قيد الإعداد، الأمر الذي يوضح لماذا اختار الرئيس الأمريكي العاصمة السعودية لتكون أول محطة يزورها في جولته الخارجية التي تبدأ في 20 أيار (مايو) الحالي.
الإعلان عن صفقة الأسلحة الأمريكية هذه تزامن مع كشف مجلة “ديفنس نيوز″ المتخصصة في الصناعات العسكرية عن صفقة أسلحة سعودية تركية ضخمة يجري التفاوض لانجازها بين البلدين، ويصفها وزير الدفاع التركي فكري ايشيك بأنها أكبر صفقة تصدير للصناعة العسكرية التركية في تاريخها.
هذا “النهم” السعودي على التسليح له طابعان، الأول اقتصادي يهدف إلى تعزيز اقتصاد البلدين، أي أمريكا وتركيا، وتحريك عجلة صناعاتهما العسكرية، وتوفير وظائف جديدة والحفاظ على أخرى قائمة، أما الهدف الثاني فهو سياسي ينسجم مع متطلبات الحروب الإقليمية الحالية والقادمة التي تخوضها الحكومة السعودية في اليمن وسورية، وربما إيران والعراق قريبا.
***
السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، والسفير الأسبق في واشنطن، أماط اللثام عن بعض جوانب هذه الصفقة عندما قال “إن إدارة الرئيس ترامب اتخذت خطوات سريعة لإحراز تقدم في صفقة بيع قنابل موجهة كانت إدارة الرئيس أوباما قد علقتها بسبب مخاوف من تسببها في مقتل مدنيين في اليمن”.
وكون الصفقة الجديدة تشمل إلى جانب المعدات العسكرية، ذخائر قيمتها أكثر من مليار دولار، بعضها، أو معظمها، رفضت الإدارة السابقة تزويد السعودية بها بعد تعاظم الخسائر في صفوف المدنيين، فإن هذا يجعلنا لا نستبعد أن يكون من بين هذه الذخائر القنابل العنقودية المحرمة دوليا.
المعلومات المتوفرة لدينا تفيد بأن إدارة الرئيس ترامب أعطت الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، حتى آخر العام الحالي لإلقاء بثقل بلاده العسكري بالكامل لإنهاء الحرب في اليمن بالقوة، وأنها ستجد الدعم الكامل من جانبها، أي إدارة ترامب، الأمر الذي يجعلنا نتوقع تصعيدا مرعبا للهجمات السعودية وقصفا وحشيا لطائرات “عاصفة الحزم” لأهداف مدنية وعسكرية في العمق اليمني.
الأمير محمد بن سلمان قال في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي داوود الشريان قبل أيام، إنه قادر على حسم الحرب في اليمن في أيام معدودة، ولكنه لا يفعل ذلك خوفا من سقوط الآلاف من الجنود السعوديين، وفتح بيوت عزاء في مختلف أنحاء المملكة، وكذلك سقوط مدنيين يمنيين، ولذلك يفضل التأني، أي اللجوء إلى أسلوب التقسيط المريح في القتل وعلى مدى عدة أشهر.
الإدارة الأمريكية الحالية التي دشنت عهدها بغارة في أحد بلدات محافظة البيضاء في كانون الثاني (يناير) الماضي، استهدفت ما قالت إنه معسكر لتنظيم “القاعدة” وتبين أنه مجموعة من منازل مدنية، وأسفرت عن مقتل 40 شخصا، من بينهم نساء وأطفال، وابنة الدكتور أنور العولقي (ثماني سنوات)، هذه الإدارة لا يهمها أرواح المدنيين، مثل الإدارة السابقة، وإلا لما بادرت بفك الحظر عن إرسال ذخائر وقنابل ذات تأثير قاتل على المدنيين.
***
الرئيس ترامب سيزور الرياض كبائع أسلحة أولا، وجالب للضرائب الدفاعية أيضا، لابتزاز أكبر قدر ممكن من المليارات السعودية، ويبدو أنه لا يحتاج إلى جهد كبير لتحقيق هذا الهدف، فالخزائن السعودية مفتوحة على مصراعيها، وإذا فرغت من المليارات فأن بيع شركة أرامكو، وشركات حكومية عملاقة أخرى مثل سابك ومجمعات ينبع والجبيل، علاوة على مناجم الذهب الفضة المطمورة تحت الأرض، ستوفر كل الطلبات الأمريكية كاملة دون نقصان، وما على الرئيس ترامب إلا أن يتدلل، مثلما يقول أشقاؤنا في العراق.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/06