وثيقة الآستانة غيرت قواعد اللعبة في الأزمة السورية
عبد الباري عطوان
يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واشنطن بعد غد الأربعاء للقاء نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، حاملا في جعبته أهم “انجاز″ توصلت إليه الدبلوماسية الروسية وهو وثيقة “آستانة 4″ التي نصت على إقامة أربع مناطق “تخفيف التوتر في سورية” بضمانة ثلاثية روسية تركية إيرانية.
هذه الوثيقة همشت الفصائل السياسية السورية المقيمة قيادتها في المنفى أولا، واستبدلتها بالتنظيمات العسكرية المسلحة التي لها وجود على الأرض ثانيا، ووضعت الأخيرة وجها لوجه ضد الحركات المصنفة إرهابيا، مثل “هيئة تحرير الشام” أو النصرة سابقا، و”الدولة الإسلامية” ثالثا.
الإدارة الأمريكية الحالية سلمت الملف السوري بالكامل إلى موسكو، وأعطتها التفويض الكامل للتعاطي معه على أرضية التركيز على محاربة الجماعات الإرهابية، والقضاء عليها جزئيا أو كليا قبل نهاية العام.
***
لافروف سيركز في مباحثاته مع نظيره الأمريكي على المستقبل، أو بالأحرى مرحلة ما بعد اتفاق الآستانة الأخير، وكيفية إدارة الأزمة السورية، ويمكن التكهن بأن التنسيق الأمريكي الروسي المقبل سيدور حول مسألتين أساسيتين:
الأولى: تقديم الدعم المطلق للفصائل المسلحة التي حضرت اجتماع الآستانة الأخير، في حربها ضد الجماعات المصنفة إرهابيا في مناطق تخفيف حدة التوتر الأربع، وستتولى تركيا الداعم الأكبر لهذه الجماعات مسؤولية إدارة هذه الحرب في كل من إدلب وحمص وحلب ودرعا، ومن يتابع “الفيديو” الأسبوعي لعبد الله المحيسني، القاضي الشرعي لهيئة تحرير الشام، وما تضمنه من تخوين لهذه الفصائل، ووصفها بالفئة الباغية، والمرتدين، يدرك أن حرب التصفية باتت وشيكة.
الثاني: الاتفاق، ومن ثم التنسيق بين وزيري خارجية الدولتين العظميين على كيفية، وموعد خوض معركة تحرير الرقة، للقضاء على عناصر “الدولة الإسلامية” المتمترسة فيها، والأهم من ذلك، القوات التي ستتولى هذه المهمة، ومن المرجح أنها ستكون قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، بعد أن نجحت الأخيرة في السيطرة على مدينة الطبقة المجاورة، وبدعم أمريكي أرضي وغطاء جوي.
المباركة الأمريكية غير المعلنة لمؤتمر الآستانة الأخير، توحي بأن عملية “المقايضة” تمت بين القوتين العظميين، مضمونها ترك المناطق “الآمنة” الأربع لروسيا، ومقابل إطلاق يد أمريكا وحلفائها الأكراد في الرقة.
الحكومة السورية قد تخرج الرابح الأكبر من هذه “المقايضة”، ومن وثيقة الآستانة، التي تعتبر عمودها الفقري، لأن اثنتين من القوى الضامنة لهذه الوثيقة، وهما روسيا وإيران، تعتبران حليفتيها الرئيسيتين في المنطقة وعلى الأرض السورية، والأهم من ذلك أن القوى المسلحة المعارضة على الأرض ستكون مهمتها الرئيسية في الأسابيع المقبلة ليس قتال الجيش السوري، وإنما القتال معه، ضد الفصائل والمنظمات الإرهابية، وهذا تطور كبير، وسابقة لم يتوقعها أحد حتى قبل ثلاثة أشهر ناهيك عن ست سنوات من عمر الأزمة.
***
لا أحد يتحدث هذه الأيام عن منظومة مفاوضات جنيف، أو عن الهيئات السورية السياسية التي انخرطت فيها، مثل الهيئة العليا للمفاوضات ومقرها الرياض، أو الائتلاف الوطني السوري ومقره إسطنبول.
اليوم جرى تهميش الفصائل والهيئات السياسية للمعارضة السورية، وغدا سيأتي الدور على الجماعات المسلحة على الأرض، الواحدة تلو الأخرى، إذا سارت الأمور وفق السيناريو الروسي الإيراني التركي الذي جرى التوافق عليه في غرف الآستانة المغلقة، وهذا في تقديرنا ما يفسر حالة الارتياح التي كانت بادية على وجه السيد وليد المعلم، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السوري، في مؤتمره الصحافي الذي عقده اليوم الاثنين في دمشق.
من يعتقد أن هناك خلافا روسيا أمريكيا في الملف السوري حاليا فهو واهم، ودليلنا يمكن اختصاره في حالة الصمت الحالية عن ملف استخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون، صمت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب وإمبراطوريتهم الإعلامية أيضا، ونترك الباقي لفهمكم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/08