الحدود الأردنية السورية تعيش مرحلة التوتر والتصعيد العسكري..
عبد الباري عطوان
التوتر على الحدود السورية الأردنية يتفاقم، ولكن قبل الغوص في التفاصيل، ومحاولة استقراء ما يحدث من تحشيد وتصعيد، وتلاسن إعلامي بين الجانبين الأردني والسوري، لا بد من سرد هذه الرواية التي كنت طرفا فيها.
في أوائل التسعينات على ما أذكر، زرت الأردن والتقيت العاهل الراحل الملك حسين بن طلال في مكتبه في الديوان، وكان بصحبتي الزميل بسام بدارين، مدير مكتب صحيفتنا في ذلك الوقت، العاهل الأردني كانت بادية عليه علامات الغضب وعدم الارتياح عبر عنها بالتدخين بشراهة لافتة، بعد أن هدأ قليلا، تجرأت على سؤاله عن أسباب هذا الغضب، فرد علي بصوته الجهور قائلا ما معناه: “تصور يا أخي اتصلت قبل مجيئكم بالرئيس السوري حافظ الأسد، للاطمئنان، والتواصل، فنحن جيران وأعضاء في ناد واحد (الزعماء)، وكانت المكالمة “باردة”، لاعرف بعدها أن الرئيس “أبو باسل” كان في اجتماع مع الرئيس المصري حسني مبارك في مطار دمشق الدولي، ولم يقل لي أنه مجتمع مع الرئيس المصري، ماذا سيحصل لو ذكر لي ذلك مثلا، وقال لي أنني مع “أبو جمال” وهو يبلغك تحياته”.
الملك حسين قال بعد “تنهيدة” يا سيدي (وكانت هذه طريقة مخاطبته لضيوفه رحمه الله) لا نريد أي صدام مع سورية، ونبذل جهودا كبيرة حتى تكون العلاقات طبيعية بعيدا عن أي توتر، لأن هذا التوتر ينعكس سلبا على الأردن وأمنه واستقراره، وقد عانينا كثيرا من تبعات الخلاف بعد أحداث حماة على شكل تفجيرات إرهابية في قلب عمان، سورية مصدر خطر كبير علينا.
***
تذكرت هذه القصة وأنا اقرأ أنباء تقول أن الحدود السورية الأردنية تنجرف بسرعة نحو التوتر، وربما الصدام العسكري، فقد رد الطيران الحربي السوري بقصف مواقع لتنظيمي “اسود الشرقية” ولواء “شهداء القريتين” قرب الحدود الأردنية على هجمات للتنظيمين على قوات سورية في البادية، ولأول مرة منذ سنوات.
هذا الاشتباك يتزامن مع تصريحات لمسؤولين سوريين تؤكد أن هناك تحركات عسكرية أمريكية وبريطانية وأردنية ضخمة على الحدود الجنوبية لمحافظتي السويداء ودرعا مدعومة بدبابات من نوع تشالينجر، و2300 جندي مسلح، وغطاء جوي من قبل مروحيات من طراز “كوبرا” و”بلاك هوك”، علاوة على 4000 عنصر مسلح جرى تدريبهم في الأردن بإشراف أمريكي بريطاني، ويتواجدون حاليا في منطقة “التنف” داخل الحدود السورية في طريقهم إلى البوكمال والقائم على الحدود العراقية السورية.
الدكتور محمد المومني الوزير الناطق باسم الحكومة الأردنية، فسر بشرح أطول مقولة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني التي تحدث فيها بأن “موقف الأردن ثابت تجاه سياسة الدفاع عن نفسه بالعمق السوري، دون الحاجة إلى تدخل عسكري” معتبرا “أن تأمين الحدود أولوية أردنية”.
السيد وليد المعلم، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية السوري قال في مؤتمر صحافي عقده أمس، “أن بلاده ستعتبر أي قوات أردنية تدخل الأراضي السورية ودون تنسيق مع الحكومة على أنها قوات معادية”، بينما قال “حزب الله” في بيان له “أن هناك خطة لاحتلال أراضي سورية تحت عنوان محاربة داعش التي ليس لها أي تواجد فعلي على الحدود الأردني السورية”.
الروس والإيرانيون حلفاء سورية لم يصدر عنهم أي رد فعل تجاه هذا التصعيد الذي انفجر في الجنوب بعد أيام من وثيقة الآستانة التي صنفت منطقة درعا ضمن المناطق الأربع التي سيشملها اتفاق “تخفيف التصعيد”، ووقف إطلاق النار بالتالي.
اللافت أن هذه التحشيدات على الحدود السورية الأردنية تتزامن مع بدء مناورات “الأسد المتأهب” التي تشارك فيها 20 دولة إلى جانب الأردن بقيادة الولايات المتحدة وممثلين عن حلف “الناتو” إلى جانب بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسعودية ومصر، وهي مناورات بدأت قبل سبع سنوات بشكل دوري قرب الحدود السورية الأردنية، وهذا الأسد يتأهب للقفز إلى العمق السوري في أي لحظة، ولا يمكن أن يتأهب للهجوم على السعودية أو العراق مثلا.
هناك تقارير إخبارية تفيد بأن أمريكا تريد إقامة منطقة عازلة في البادية السورية بدعم منها، تسيطر قوات موالية لها على مربع الحدود السورية العراقية الأردنية السعودية، ومعبر التنف السوري العراقي خاصة، وجرى تدريب قوات سورية معارضة لهذا الغرض في الأردن وانطلقت من منطقتي درعا والسويداء، وأول أهدافها قطع الامتداد الجغرافي للهلال الشيعي، الأمر الذي سيرضي أطراف إقليمية عديدة من بينها السعودية وإسرائيل وتركيا.
***
إشعال الجبهة السورية الأردنية “مقامرة” خطيرة، قد يكون الهدف منها “تعطيل” اتفاق الآستانة وإعادة الأزمة السورية إلى المربع الأول، وليس من قبيل الصدفة، تواتر التصريحات عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بعد لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيرلسون في واشنطن، حول رحيل الأسد، حيث أكد الوزير القطري، وبعد صمت طويل، أن اتفاق الآستانة ليس بديلا عن هذا الرحيل.
إدارة الرئيس ترامب تريد إقامة قواعد على الأرض السورية وفي مدينة الرقة خصوصا، كبديل عن قاعدة “انجرليك” الجوية التركية، وتقاسم النفوذ مع روسيا وإيران.
أيام الأردن المقبلة صعبة جدا، ولا نعتقد أن قيادته تملك “ترف” القبول أو الرفض، خاصة تجاه المخططات البريطانية الأمريكية، ولدينا قناعة راسخة بأن التهديد الأكبر للأردن واستقراره يأتي من سورية، مع تسليمنا بأن سورية اليوم هي غير سورية قبل 28 عاما، وما علينا إلا الانتظار وهو قد لا يطول.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/10