أردوغان غاضب من الجميع.. ومن حلفائه الأمريكان والإسرائيليين خاصة..
عبد الباري عطوان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غاضب هذه الأيام على الجميع، الحلفاء والأعداء معا، غاضب على الولايات المتحدة، غاضب على أوروبا، غاضب على إيران والعراق، وغاضب على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وناقم على اليونان، وبات من الصعب أن نجد دولة واحدة راض عنها، أو غير غاضب عليها على الأقل.
هذا الغضب له تفسيرات عدة، أبرزها في نظرنا حالة الإحباط التي يعيشها الرئيس التركي من جراء خذلان حلفائه التاريخيين له، والأمريكان على وجه التحديد بعد الخدمات التي قدمتها بلاده لهم، من خلال عضوية حلف الناتو على مدى أكثر من ستين عاما.
يوم الثلاثاء المقبل سيحط الرئيس التركي الرحال في واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي عوّل عليه كثيرا في دعم سياسته، أي أردوغان، في سورية، والشق المتعلق منها بإطاحة حكومة الرئيس بشار الأسد، وإقامة مناطق عازلة، وعدم تقديم أي دعم عسكري أو سياسي للأكراد.
***
فرص نجاح زيارة الرئيس أردوغان في تحقيق أهدافها تبدو محدودة، واحتمالات الفشل أكبر بكثير من احتمالات النجاح، فإدارة الرئيس ترامب لن تسلّم الداعية فتح الله غولن، المتهم بالوقوف خلف الانقلاب العسكري، وأعلنت الخميس على لسان العقيد دون دارن، المتحدث باسم قوات التحالف الدولي لمحاربة “الجهاديين”، أنها ستسرع تنفيذ قرارها بتسليح قوات حماية الشعب الكردية السورية بدبابات وصواريخ وأسلحة حديثة تؤهلها لشن الحرب لاستعادة مدينة الرقة من “الدولة الإسلامية”، بغطاء جوي ومشاركة برية أمريكية.
والأهم من ذلك أن الرئيس أردوغان شن هجوما شرسا على إسرائيل، واتهمها بالعنصرية على غرار نظام جنوب أفريقيا الأبيض، ووصف الحصار المصري لإسرائيلي لقطاع غزة بأنه لا محل له بالإنسانية، وأعرب عن رفضه لقرار إسرائيلي بمنع الآذان من مآذن مساجد القدس المحتلة، ويأتي هذا الهجوم بعد أشهر من الصمت وتطبيع العلاقات.
وزارة الخارجية الإسرائيلية ردت على الرئيس أردوغان قائلة “إن كل من ينتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي في بلاده لا ينبغي أن يعظ حول الأخلاقيات للديمقراطية الوحيدة في المنطقة”.
الهجوم بهذه الشراسة على إسرائيل، الدولة التي تحكم حاليا البيت الأبيض، لا يمكن أن يقع بردا وسلاما على قلوب الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، أقرب مستشاريه ووزير الخارجية الأمريكي الفعلي، اللهم إلا إذا كان هذا الهجوم غير جدي، وغير نابع من القلب، مثلما وصفه يواف غالنت، وزير الإسكان الإسرائيلي في حديث لأحد الصحف الإسرائيلية، الذي قال “إن تركيا وإسرائيل بحاجة إلى الحفاظ على العلاقات بينهما.. أن إدلاء إردوغان بتصريحات محرضة بين الفينة والأخرى يعكس مصالحه الخطابية السياسية.. دعوه يتكلم ونحن نعرف كيف نتكلم”.
ما اغضب أردوغان من حليفه الإسرائيلي أمران، الأول عدم تهنئة بنيامين نتنياهو له بالفوز في الاستفتاء، والثاني، تمزيق الأخير لوثيقة “حماس″ الجديدة وإلقائها في سلة المهملات أمام عدسات التلفزة، فالأخير، أي نتنياهو، يعلم جيدا أن اردوغان يقف خلف هذه الوثيقة، وما تضمنته من أفكار تمسح ميثاق الحركة وتقبل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 على أمل تخفيف الحصار الإسرائيلي والغربي عليها، وفتح ميناء ومطار، في غزة بالتالي بدعم تركي قطري.
الحقيقة التي ربما يرفض الرئيس أردوغان الاعتراف بها علنا، هو شعوره بالخديعة، من قبل من يدّعون أنهم حلفاؤه، أي الأمريكان، الذين استخدموه، وورطوه في الملف السوري، طوال السنوات الست الماضية، ونسفوا بذلك كل إنجازاته الشخصية والحزبية، ودمروا بالتالي طموحاته السياسية، ثم تخلوا عنه لصالح ألد أعدائه، أي الأكراد.
***
دعم الرئيس ترامب للأكراد السوريين الذين تضعهم تركيا على قائمة الإرهاب، وتعتبرهم خطرا وجوديا عليها، وتسليحهم بدبابات ومدرعات وصواريخ حديثة متطورة، واعتمادهم كحليف مؤتمن لـ”تحرير” مدينة الرقة، يعني وضع النواة الأصلب لجيش الدولة الكردية، التي يمكن أن تمتد على طول الحدود التركية السورية، وتهدد الوحدة الترابية والديمغرافية لتركيا.
الأمريكان استخدموا الأتراك، والرئيس أردوغان تحديدا لطعن العرب في الظهر، وتفتيت دولهم المضادة لهم (أي للأمريكان وإسرائيل)، وبعد أن حققوا معظم مهمتهم في العراق وسورية وليبيا، هاهم الآن يخططون الاستخدام الأكراد، وربما غيرهم، لتفتيت تركيا.
الفرصة سانحة أمام الرئيس أردوغان لمراجعة سياساته، وتقليص الخسائر، وإنقاذ تركيا والمنطقة من مخططات التدمير والتفتيت، فهل يفعل ذلك؟
لدنيا الكثير من الشكوك.. ونأمل أن لا تكون في محلها، وأن يثبت الرئيس أردوغان عدم صحتها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/13