ترامب يتباهى أمام الأمريكيين بمئات المليارات التي جلبها من رحلته الشرق أوسطية
عبد الباري عطوان
عندما يغرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد عودته من جولته الخارجية الأولى منذ توليه السلطة بأن “جرابه” يزدحم بحوالي نصف تريليون دولار على شكل صفقات أسلحة باعها للعرب، وللسعوديين منهم خاصة، ستخلق مئات الآلاف من الوظائف للأمريكيين، فأن هذا يشكل إهانة لمضيفيه العرب الذين عقدوا له القمم، وأكرموا وفادته، ورقصوا طربا احتفالا بمجيئه، وحشدوا له زعماء وممثلي 56 دولة إسلامية للتصفيق لخطابه الذي اتهمهم وعقيدتهم بنشر الإرهاب في العالم.
الأولوية بالنسبة للرئيس ترامب هي التجارة وتوقيع الصفقات المالية، ثم تأتي بعد ذلك القضايا الأخرى مثل الأمن والإرهاب، أما الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ركز عليها سلفه باراك أوباما، فهي قضايا ثانوية ليس لها أي قيمة.
ترامب الذي قال في أكثر من مناسبة إن “الإسلام يكرهنا”، وكشف قبل 20 عاما من توليه السلطة في حديث مع المذيعة اوبرا وينفري بأن أول شيء سيفعله في حال توليه الرئاسة في يوم ما هو “حلب” البقرة الخليجية، والحصول على أكبر قدر من المليارات منها، بر بوعده، وفي أقل من شهرين من دخوله البيت الأبيض، وزار حائط البراق (المبكى) معتمرا القلنصوة اليهودية، ولم يقدم للفلسطينيين أي شيء في زيارته للقدس المحتلة غير التأكيد على كونها العاصمة الأبدية لدول اليهود.
***
عاد ترامب إلى واشنطن وقد صّعد من التوترات الطائفية في المنطقة بين طرفي المعادلة المذهبية الإسلامية الأبرز، أي السنّة والشيعة، عندما انحاز إلى مذهب ضد الآخر، ليس من منطلق الحرص، وانطلاقا من قناعة حقيقية، وإنما انطلاق من الجشع المالي، وخلق أسواقا للسلاح الأمريكي، فبيع السلاح يحتاج إلى زبائن وحروب طاحنة، وهذا ما يسعى إليه.
صحيفة “النيويورك تايمز″ الأمريكية كشفت يوم أمس أن الغارات الأمريكية في سورية والعراق أدت إلى مقتل 3100 مدني على الأقل منذ الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014، بينما تؤكد منظمة “أيرورز″، ومقرها لندن التي تجمع المعلومات عن الضحايا المدنيين، أن الرقم الحقيقي هو ثمانية أضعاف ما تعترف به الإدارة الأمريكية، أليس هذا إرهابا أيضا؟ وهل الضحايا لا يستحقون التعاطف والترحم والتعويض أيضا؟
ومن المفارقة أن تحقيقا أجراه الجيش الأمريكي عن مقتل 102 من المدنيين العراقيين أثناء غارة للطائرات الأمريكية غرب الموصل في شهر آذار (مارس) الماضي، أكدت أن تنظيم “الدولة” المسؤول الأول لأنه خزن أسلحة في أحدى المباني التي قصفتها هذه الغارات.
سبحان الله، من خزّن الأسلحة هو المسؤول، أما من قصف منطقة يوجد فيها مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء فهو بريء من دماء الضحايا، ولا لوم عليه، ولا تثريب.. أي عدالة هذه، وأي تحقيق هذا.
تنظيم “الدولة الإسلامية” تنظيم دموي يتحمل المسؤولية عن قتل آلاف الأبرياء، ومعظم ضحاياه من المسلمين، ولم يقتل عسكريا أمريكيا واحدا، ولكن هذا لا ينفي المسؤولية في القتل والإرهاب عن الأمريكيين وقيادتهم بشقيها السياسي والعسكري، مثلما لا ينفي الدور الأمريكي في توفير الحواضن لنمو هذه التنظيمات والجماعات المتطرفة، وكل ما تقدم عليه من قتل وتدمير، من خلال الغزو والاحتلال، وتدمير أنظمة الحكم، ونشر الفوضى، والدول الفاشلة.
***
ترامب الذي رقص العرضة، ولوح بالسيف، عاد إلى واشنطن ليجد اتهامات جديدة لصهره جاريد كوشنر، زوج الحسناء إيفانكا، ومستشاره الأول، باختراق القانون بسعيه إلى إقامة قناة اتصالات سرية مع موسكو قبل وأثناء الحملات الانتخابية الرئاسية، وإذا صحت هذه الاتهامات وغيرها مثل التربح المالي، فأن النتائج ستكون وخيمة على الصهر وعمه.
صديق بريطاني عاد للتو من واشنطن، ومعروف بصلاته بالنخبتين السياسية والثقافية الأمريكيتين، أكد لي أن الانطباع الأبرز لدى أصحاب القرار في المؤسسة العميقة الحاكمة يؤكد أن ترامب لن يستمر في البيت الأبيض حتى أعياد الميلاد المقبلة (الكريسماس).
بقاء ترامب العنصري المتهور كارثة على العرب والمسلمين، ورحيله كارثة أكبر، خاصة بالنسبة إلى الذين راهنوا عليه، وأنفقوا مئات المليارات لكسب رضاه، فماذا نقول عن أناس وضعوا كل بيضهم في سلة رئيس يطالب 48 بالمئة من شعبه برحيله؟
نترك لكم الإجابة؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/29